وصادف أنه لما كنا بعرفة جاءنا عارض (1) صحبته رواعد (2) بينما نحن مفيضون من عرفات إلى المشعر الحرام ، وكان المطر على الجبال أشد منه على الأماكن التي كنا فيها. وبعد ذلك بثلاثة أشهر ، كنا نتنزه في جبال الطائف ، فقصدنا قرية الهدا الموصوفة ، التي يفضلها كثيرون على الطائف ، بحجة أنها أعلى مكانا ، وأفسح منظرا ، وهي أعلى من الطائف بنحو مئتي متر ، تعلو الهدا عن سطح البحر نحوا من (1800) متر ، فلما دخلنا القرية ، لم يبق إلا قليل حتى نقول : إنها خاوية على عروشها ، وجدنا بعض أهلها نازحين إلى حيث يقدرون أن يشربوا ، والبعض الآخر يردون المناهل البعيدة ، ووجدنا تلك البساتين قد علتها غبرة الموت ، فمنها ما صوح شجره ، ومنها ما مات موتا لا حياة بعده.
وقصدنا إلى ساقية كانت مشهورة بغزارة المياه ، فنظرنا إلى قعرها ، فوجدنا الذي فيها قد يكفي لشربنا ، فجلسنا نقيل تحت شجرات هناك ، ونزعنا بالدلو ، حتى سقينا نحن وربعنا ، ولكن الأنفس أرمضها منظر الأشجار المحزن ، فلم نمكث إلا ساعتين ، حتى فارقنا الهدا مهرولين إلى واد قريب منها يقال له : وادي الكمل (بضم ففتح مع التشديد) وقد علمنا من أهل الهدا أن العارض الذي جاء الحاج يوم عرفة لم يكن ممطرهم ، ولقد أمطر جيرانهم على درجات متفاوتة ، فمنهم من رزقوا ثمرات وغلات وافرة ، ومنهم من أتتهم غلة متوسطة ، ولكن الهدا كانت محرومة مغمورة تماما هذا الصيف كله ، وبقيت في هذه اللأواء ليس فيها نبت أخضر إلا الصبير ، حتى دخل فصل الخريف (وفي الحجاز يقولون له الشتاء ، ويقولون للشتاء الذي عندنا الربيع) فجاءنا الخبر
पृष्ठ 75