नेपोलियन बोनापार्ट इन मिस्र
نابوليون بونابارت في مصر
शैलियों
الواجب على المشايخ والعلماء والقضاة والأئمة أنهم يلازمون وظائفهم، وعلى كل أحد من أهالي البلدان أن يبقى في مسكنه مطمئنا، وكذلك تكون الصلاة قائمة في الجوامع على العادة، والمصريون بأجمعهم ينبغي أن يشكروا الله سبحانه وتعالى لانقضاء دولة المماليك قائلين بصوت عال:
أدام الله إجلال السلطان العثماني!
أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي!
لعن الله المماليك!
وأصلح حال الأمة المصرية.
نقل هذا المنشور المرحومان جورجي بك زيدان وشارويم بك في كتابيهما عن تاريخ مصر الحديث، وغير فيه الأول بضع كلمات بما يقابلها فكلمة «شرع» بدل «متساوون» في قوله: «متساوون عند الله» و«الكرج» بدل «الجركس»، ونسي الثاني كلمة «دينكم» في قوله: «إنني جئت لإزالة دينكم» فكتبها «لإزالتكم» «وما أظن ذلك عن قصد» وكان الأولى بهما مقارنة الأصل بالترجمة، ونحن قبل أن نأتي على ما بين الأصل والتعريب من الفوارق، نقول: إن نابوليون قد أتعب نفسه وتراجمته ومطبعته، بغير فائدة؛ لأن هذا المنشور بما فيه من حقائق من حيث صفة المماليك وتخريبهم أرض مصر، وتمويهات كدعوى الإسلام وعبادة الله، واحترام النبي والقرآن، وبما فيه من ترغيب، وترهيب «لا يساوي عند المصريين بصلة» كما يقول العوام في تعبيراتهم، وذلك لأسباب كثيرة، منها أن المصريين مغلوبون على أمرهم، ولا حول لهم ولا قوة، فقد كانوا إذ ذاك كالأغنام والحمير، لمن غلب وركب، ومنها أنهم مع ما أصيبوا به من الذل والهوان، تحت نير المماليك والأتراك، لا يميلون لقبول سلطة مسيحية، ولا يرضون بغير الأتراك المسلمين بديلا، والدليل على ذلك اضطرابهم عند قرب الفرنسيس وقيام الكثيرين منهم بمهاجرة الديار، وما أظهروه من الجزع ليلة قدوم الفرنسيس في الجهة الشرقية من النيل، واستعدادهم جميعا لمقاتلة القادمين، ولو بالعصي والنبابيت، ومن أكبر الأدلة أنهم على الرغم من حسن معاملة الفرنساويين لهم، وترتيب نظام إداري عادل لأحوالهم، ثاروا ضد نابوليون وجنوده ورجاله وعلمائه مرتين في مدة أقل من سنتين كما سيجيء تفصيل ذلك، وهم لم يثوروا ضد مظالم الأتراك والمماليك طول هاتيك القرون مرة واحدة، اللهم إلا أن تكون تلك «الهيصة» التي قام بها الشيخ الشرقاوي، لتعدي الألفي بك على ممتلكاته، حيث جمع فيها بعض المشايخ، وانتهت كأنها لم تكن، ولكن نابوليون معذور في تصوره أن في مصر، كما في غيرها من البلاد، أمة تحكم العقل، وتفهم قيمة صوالحها، وأن لها شيئا من المقدرة على رد مكروه، وأنها تعزز، أو تضعف، إن مالت إلى جهة، أو انحرفت عن أخرى، فلذلك كتب ذلك المنشور البديع في بابه معنى وسياسة، من الوجهة السياسية الفرنسية، ولا غضاضة عليه في ذلك.
أما الخلاف بين الأصل والتعريب - مع التجاوز عن سوء الترجمة وأغلاطها - فهو أن الأصل في خزائن وزارة الحربية الفرنسية، والموجود في مكاتبات نابوليون تحت نمرة 2723، ليس فيه ذكر في مقدمته «لا بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا هو لا شريك له» وليس فيه عبارة «ومن طرف الفرنساوية المبني على أساس الحرية والتسوية»، بل جاء في أوله: «من بونابرت عضو الانستيتو ناسيونال، والقائد العام»، وأوله «أنه من زمان مديد ... إلخ» ... وجاء في الأصل: «وأنني أكثر من المماليك احتراما لله ولنبيه وللقرآن» وفي التعريب «أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى أحترم نبيه والقرآن العظيم» وليس في الأصل مطلقا قوله: «قولوا إن الفرنساويين هم أيضا مسلمون مخلصون»، والذي فيه هو: «قولوا إننا أصدقاء للمسلمين الصادقين» وفرق بين العبارتين كبير، ولسنا ممن يظن أن هذا الخلاف قد جاء عفوا من سوء الترجمة، بل هو مقصود؛ لأن نابوليون لا يكتب بلغته عبارات يعرف أنها ستحفظ عليه في التاريخ، وتعرض من أعدائه، أمام قومه، لتشويه سمعته، وكان أحرص الناس وأنفذهم نظرا إلى هذين الأمرين، وإنما حور المترجمون عباراته ووافق هو على ذلك التحوير، وأعقب نابوليون هذا المنشور بخطاب كان قد كتبه وأعده وهو على ظهر الباخرة «أوريان» في 30 يونيو؛ أي: قبل الإشراف على الإسكندرية بيوم واحد، وهذا الخطاب موجه للسيد أبي بكر باشا الذي كان واليا على مصر من قبل الدولة العثمانية، وقد بعث الخطاب المذكور مع ضابط تركي من ضباط السفن التي كانت راسية بالميناء، وهذا هو نص الخطاب:
إن الإرادة التنفيذية للجمهور الفرنساوي طالما طلبت من الباب العالي معاقبة البكوات المماليك لسوء معاملتهم للتجار الفرنسيين، فكان جواب الباب العالي دائما أن أولئك المماليك أشخاص أدنياء طماعين، ولا يحترمون مبادئ العدل وأن الباب العالي لا يكتفي فقط لعدم السماح لأولئك المماليك بإساءة أصدقائه الصادقين من الفرنسيس، بل يشملهم برعايته وعنايته كلما تيسر له ذلك.
فلذلك قررت الجمهورية الفرنسية إرسال جيش عظيم للقضاء على مظالم المماليك في مصر، كما اضطرت إلى عمل مثل ذلك مرارا في خلال القرن الحالي مع باي تونس ومع الجزائر، فأنت الذي كان من الواجب أن تكون السيد المطاع على البكوات، وقد أصبحت بغير جاه ولا نفوذ، جدير بأن تتلقى نبأ قدومي بالسرور والانشراح، وأنت بالطبع تعلم أنني لم آت للتعرض للدين والشرع، ولا للقيام بأمر ضد السلطان، وكذلك لا بد أنك تعرف أن الأمة الفرنسية هي الحليفة الوحيدة للسلطان في أوروبا، فهلم إذا إلى مقابلتنا والعن معنا المماليك وعنصرهم الخبيث.
11
अज्ञात पृष्ठ