فان قلت: هذا الذي حكاه القاضي ابن رشد من الإجماع انما يدل على نسخ الوجوب، فترجع المسألة إلى الخلاف، هل يبقى الجواز بعد نسخ الوجوب؟، والأكثر على بقائه.
قلت: ليس المراد ما فهمته، وإنما أرشدك إلى صحة ما نقله من الإجماع، لأنه لم يقل أحد بوجوب العقوبة في المال، وليس من العقوبات والزواجر ما هو في حكم الاباحة، فالعقوبات كلها واجبة، الا أن منها ما يصح العفو عنه مما يرجع إلى حقوق المخلوق، ومنها ما ورد الشرع بالتحايد عنه أو بالتخفيف فيه بالنسبة إلى غيره، وتحقيق ذلك يرجع إلى أن القدر الذي أمر الشارع بالتخفيف فيه والتجاوز عنه لم يجب في موضع الأمر بالتجاوز، وأيضا فلا يلزم من بقاء الجواز في غير هذا بقاؤه في هذه، أنه إذا نسخ الوجوب رجع أخذ المال إلى أصله المشروع، وأصله المعلوم المقطوع به، حرمة أخذه بغير حق. ولذلك اتبعه ابن رشد رحمه الله في بعض المواضع التي نقل فيها هذا الاجماع على هذه الصورة بقوله صلى الله عليه وسلم: "لايحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس(¬1)، احترازا من هذا الوهم العارض.
وأيضا، فإن ما سبق ذكره من الاجماعات ليس فيها تقييد بنسخ الوجوب، فكانما صورة الكلام، لو كانت العقوبة في المال صحيحة كانت واجبة، لكنها لا تجب اجماعا فليست بصحيحة. وبرهانه أن الأصل تحريم مال الغير الا عن رضى منه.
पृष्ठ 129