لم أنس قول الورد حين جنيته ... والنار لاستقطاره تتسعرو
ناشدتكم نفسي خذوه وإنما ... لاتعجلوا في قبض روحي واصبروا
من رسالة كتبها الجناب المجدي فضل الله ابن المرحوم فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس إلى سيدنا ومولانا أقضى القضاة بدر الدين محمد بن أبي بكر عمر المخرومي المالكي الشهير بابن الدماميني اسبغ الله عليه ظلاله ملغزًا في ورد وكان سيدنا بدر الدين قد كتب إليه قبلها لغزًا في قدح فحله وكتب إليه هذا اللغز ونقلته من خطه وهو: ما عاطل تتحلى به المجالس ويتفكه فيه المجالس تحمر وجناته من الشرب وتحمر آثاره في البعد والقرب إن قبلته رأيت تاجًا وإن تركته على حاله زادك ابتهاجًا يعذب بالنار وغيره الجاني ويريك إن بدلت أوله برد الأماني يستخرج وهو داخل ويرى دمعه من نار قلبه هاطل لايبرح به في غبطه ولا تجد فيه مع انهماله نقطه إن حذفت أوله وحرفت باقيه وجدته أمرًا بالشراب وإن فعلت كذلك في ثانية ما بقي يؤكد للمحبة بين الصحاب وور إن حذفت أخيره كمن ورا وغص في بحر الفكر على عكس ثلثيه لستخرج درا وقد سطره ليحصل له من نظر المخدوم طرفًا ويصير له في الألغاز شرفًا والمملوك يسأل الصفح والامتنان وبسط العذر في هذا الهذيان فإنه لولا المحبة ما أجاب ولا طرق بعد فقد أبيه هذه الأبواب ولا عارض بجد وله البحر العباب فإن بضاعته في هذا الفن مزجاة وهم أبيه غطى على حجاه والله المسئول أن يلطف برحمته ويحسن عاقبته في دنياه وآخرته ويمتع مولانا بزناد ذهنه الواري ويطلعه وبينه في سماء الفضل حتى يهتدي بالنجوم والدراري بمنه وكرمه، فكتب الجواب سيدنا بدر الدين وينهي ورد الجواب الذي شفي الصدور وروده واللغز الذي نسي بورده بأن الحما وزر وده فوجده روض بلاغة عدم العابث والعائب وترعرع زهره حيث أمطرته من أنامل المخدوم خمس سحائب وتمسكت أذيال أنفاسه بالرواية عن أبي الطيب وجاد فكر مولانا على خد طرسه بالعارض الطيب فلو شاهده ابن الوردي لاحمر خجلًا أو صاحب زهر الآداب لتلون وجلًا ثم تأمل حل اللغز فرآه قد كشف المشكل وجلا واعترف بأنه لم يمر بذوقه أطيب من ذلك الحل ولا أحلى وتحقق أن مولانا أوسعه في مقام الأدب بفضله إيناسًا وتناول منه قدحًا فأعاده بألفاظه المسكرة كاسًا وانتهى المملوك إلى اللغز المخدومي فقال:
مولاي مجد الدين يا من فضله ... يروي وجود كفه يروي الصدا
ألغزت في اسم عاطل حليته ... منك بدر اللفظ أو قطر الندا
إن ورد التحريف في أبياته ... كان لشانيك هلاكا وردًا
وقال أيضًا:
لله لغزك يا مولى فضائله ... قد عطر الأكوان منها أطيب أنفاس
أتى بورد فحياني على قدحي ... به وأبهجني ما بين جلاسي
وقد أسى جرح كسرى حين اقبل لي ... روحي الفداء لذاك الورد والآسي
فاستحلي المملوك بالتحريف ورده وود لو اقتطف من أغصان حروفه ورده فرده ذل القصور عاريًا من ملابس عزه وأنشده قول ابن قلاقس وقد تقلى بنار عجزه:
إذا منعتك أشجار المعالي ... جناها الغض فاقنع بالشميم
فراج عليه بهرج هذا الرأي الكاسد واقتنع بالشم على رغم أنف الحاسد وعلم أن هذا الورد لايحسن من غير تلك الخضرة وإن هذه الفاكهة لا يخرجها إلا أغصان أقلام لها بندي الراحة المخدومية بهجة ونضرة ومشى نظر المملوك من هذا اللغز في بساتين الوزير على الحقيقة ورأى منه كل وردة واحب الوجنات الحمر فتحير أهي وردة أم شقيقة وتفكر معجبًا بثمار غرسه لمن كرر النظر في صفحة طرسه:
عن كنت تزعم ما خده عجب ... قم فانظر الورد في خديه منثورًا
1 / 44