============================================================
المطلب الأول / تنزيه الله عن الجسمية ولوازمها وقال الإمام المفسر أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت/ 671ه): "المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت، وهذا يدل على أن الباري تعالى ليس في جهة"(1).
وقال المحدث الإمام ابن أبي جمرة الأندلسي (ت/699ه): "فمحمد عليه الصلاة والسلام فوق السبع الطباق ويونس في قعر البحار، وهما بالنسبة إلى القرب من الله تعالى على حد سواء، ولو كان مقيدا بالمكان أو الزمان لكان النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أقرب إليه، فثبت بهذا نفي الاستقرار والجهة في حقه جل جلاله"(2).
ثالثا: الأدلة العقلية الدالة على تنزيه الله تعالى عن الجشمية ولوازمها من الحيز والجهة والمكان إن العقل في الإسلام هو أصل التكليف، فمتى فقد العقل فقد التكليف، وهو أصل من الأصول التي ينضبط بها فهم الكتاب والشنة وما يتعلق بذلك من القضايا المهمة، فلا يمكن تحقيق فهم نصوص الشريعة واستنباط الأحكام من أدلتها الشرعية وإدراك قواعدها وموازينها إلا بالعقل الذي هو مناط التكليف وأساسه؛ والعقيدة الإسلامية يدور رحاها على الأحكام العقلية القطعية التي بنيث على النصوص الشرعية القطعية، فالعقل يشهذ للنقل القطعي وهو بدوره لا يأتي إلا بمجوزات العقول، كما قال الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"(3).
وبناء عليه، فإن الأدلة العقلية القطعية المبنية على النصوص الشرعية القطعية تكون برهانا قاطعا في إثبات أن الله تعالى منزه عن الجسم ولوازمه، وهذا ما انتهجه علماء الأمة الإسلامية من المنزهة في تقرير ذلك، حيث اشتغلوا بتقرير الأدلة العقلية على نفي (1) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (33/11).
(2) ابن أبي جمرة، بهجة النفوس وتحليها بمعرفة مالها وما عليها (176/2).
(3) الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه (354/1).
पृष्ठ 57