واعلم أن البطالة تبطل الهيئات الإنسانية، فإن كل هيئة، بل كل عضو يترك(1) استعماله يبطل(2): كالعين إذا غمضت(3)، واليد إذا عطلت؛ ولذلك وضعت الرياضيات(4) في كل شيء.
ولما جعل الله تعالى للحيوان قوة التحرك، لم يجعل له رزقا إلا بسعي ما منه؛ لئلا يتعطل فائدة ما جعل له من قوة التحرك.
ولما جعل للإنسان الفكرة، ترك من كل نعمة أنعمها عليه جانبا يصلحه هو بفكرته؛ لئلا يتعطل(5) فائدة الفكرة، فيكون وجودها عبثا، وتأمل حال مريم عليها السلام، وقد جعل لها من الرطب ما كفاها مؤنة الطلب، وفيه أعظم معجزة، فإنه لم يخلها(6) من أن أمرها بهزها، فقال تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا}.
وقد أخذ بعضهم منه إشارة إلى أن الرزق من الله تعالى، ولكنه مسبب تسببا عاديا بالطلب من العبد، ومباشرة(7) أسبابه، فقال: ألم تر أن الله تعالى قال لمريم عليها السلام: وهزي إليك الجذع تساقط الرطب، ولو شاء أجنى الجذع من غير هزه إليها، ولكن كل شيء له سبب.
وعن أبي الأسود الدؤلي(8): وليس الرزق عن طلب حثيث، ولكن ألق دلوك في الدلاء تجيء(9) بملئها(10) طورا، وطورا(11) تجيء(12) بحمأة وقليل ماء.
पृष्ठ 10