ونظر إليه عزام طويلا ثم قال: يا ليت. - فما هذا الذي يرويه عنك عثمان؟ - لا أدري، لا أتصور أن أصنع شيئا إذا عرفه عني أهل بلدتي يحقرون أمري. - الظاهر أن الولد عثمان لم يعرف كيف يتصرف معك. - كيف؟ - المسألة تحتاج إلى تمهيد. - لا أفهم. - وكيف يمكن أن تفهم؟ اسمع، ما رأيك أن نسهر الليلة في الأريزونا؟ - في الأريزونا؟ - في الأريزونا. - وماذا سنفعل؟ - لا، لا تخف. لن تذهب إلى الراقصات هناك. ما زال الطريق أمامك طويلا حتى تصل إلى الراقصات. - فلماذا نذهب إذن؟ - اليوم حفلة خيرية. ومعي تذكرة اعتذر صاحبها. - وماذا في الحفلة الخيرية؟ - سأعرفك بفتيات من رائدات الحفل مثلنا. - فتيات مرة واحدة. - ولك أنت أن تختار.
الليل نهار من كثرة النور. والضياء يخبو مع الجمال الساطع من أولئك الفتيات. كل مليحة منهن بمذاق. رائحات غاديات كأفكار جميلة تخطر على أذهان شعراء. كأملاك السماء إن تجسدت الملائكة في أزياء آدمية. السمراء عذبة رقراقة مشرقة كفرحة، مقبلة كقبلة، مدبرة كحلم. والشقراء أمل تحقق، أو دنيا تغدق بالعطاء، أو موسيقى تعزفها السماء.
عزام في تيه من البهر، وفريد يمسك بيده وكأنه طفل لا يعرف الطريق، وقد كان فعلا في هذه اللحظات طفلا لا يعرف الطريق. وفي لسان متعثر وعقل غائب يقول لفريد: أين نحن؟
ويقول فريد وعيناه تجوسان خلال الحفل جميعا: اسكت. - وهل أنا قادر على الكلام؟ أنحن في مصر؟ - في مكامن أضوائها، بين المصابيح المصرية والجمال الذي لم تره خيبتك من قبل. - ولكن أنا تائه. - طيب اسكت قبل أن أتوه أنا الآخر. - إياك، فلا أمل لي هنا إلا أنت. - اسكت، انتظر، ها هما. - من هما؟ - تعال.
وقاد يده المطيعة وجسمه الذي أصبح بلا وزن إلى مائدة جلست إليها فتاتان؛ إحداهما شقراء والأخرى سمراء. وقبل أن يصلا وقف فريد وسأله: أترى هاتين الفتاتين؟ - ما لهما؟ - أتريد الشقراء أم السمراء؟ - ماذا؟ - انطق قبل أن تراني إحداهن.
وقال دون وعي: الشقراء. - إذن تعال.
ورحبت الفتاتان بهما ترحيبا عجيبا لا مبالغة فيه، ولكنه في نفس الوقت يحمل كل معاني الإقبال. وقالت السمراء: تأخرت.
وقال فريد: أنا أبحث عنكما منذ نصف ساعة، صديقي وزميلي عزام أبو الفضل.
وصاحت الشقراء: أهو أنت؟
وفغر عزام فاه ووقف مشدوها، ثم وجد نفسه يقول: وتعرفينني يا ست؟
अज्ञात पृष्ठ