العموم لكان للمعترض أن يقول: المستنير أيضًا من الثوابت فلا يختلف الوضع بالقرب والبعد، فلا يتم الدليل.
قلت: ليس في هذه القرائن دلالة وأثبتها شهادة هي ما صدرت به كلامك والأمر فيه سهل، فإن حمل العلوية على معناه اللغوي ليس أمرًا شنيعًا لا يمكن الإقدام على ارتكابه، ليلتجيء إلى حمل العبارة على ذلك المعنى السخيف فرارًا عن الوقوع فيه، كيف؟ ! وأمثال ذلك في عبارات القوم أكثر من أن تحصى وأوفر من أن تستقصى، وكم حملوا المصطلحات على معانيها اللغوية لأيسر حادث وأدنى باعث فضلًا عن مثل ما نحن فيه.
وأما شهادة ذكر كلامه هذا في ذيل بحث استفادة نور القمر من الشمس فشهادة ضعيفة جدًا، إذ ذكر استفادة كوكب واحد يناسبه ذكر الكواكب الأخر بأسرها أيضًا، بل هذا أولى؛ فإنه هو محل النزاع والخلاف وأما شهادة ذكر الألوان فمنخرط أيضًا، فإن قوله: اختلفوا في أنه هل للكواكب لون؟ لا ريب أنه إشارة إلى الخلاف المشهور بين القوم في أنه هل لشيء من الكواكب غير القمر لون أم لا؟ ولذلك عدوا في ألوانها حمرة قلب العقرب أيضًا، وقول العلامة: مثل كمودة زحل ودرية المشتري الخ بتعدد السبع السيارة جميعًا في معرض التمثيل، قرينة ظاهرة على ذلك، وإلا فلا يخفى سماجة قوله: اختلفوا في أنه هل للسبع السيارة لون؟ والأظهر ذلك مثل ألوان هذه السبع، ولو أن غرضه ما زعمت، لكان ينبغي أن يقول: والأظهر ذلك لكمودة زحل ودرية المشتري بلام التعليل. وأما حمل التمثيل على إرادة كل واحد، فكأنه قال: والأظهر أن للسبعة ألوانًا مثل كل واحد منها، فلا يخفى سماجته، ولعل عدم التعرض لذكر الثوابت لكون ألوانها لا يخرج عن الألوان الخمسة الموجودة في السيارات، فلا حاجة إلى ذكرها، إذا المراد هو الإيجاب الجزئي وهو ظاهر.
وأما شهادة قوله: قلنا: إن كان من الثوابت الخ على العموم وإلا يورد الاعتراض الذي ذكرته، فشهادة مقبولة لو كان معنى كلامه ما فهمته، وليس كذلك، إذ معنى كلامه: أن ذلك الكوكب الذي يعطي الباقية الضوء إن كان من الثوابت لم يتغير الثوابت القريبة منه عن الهلالية ونحوها في شيء من الأوقات، بل يكون ملازمة لوضع واحد دائمًا لعدم تطرق البعد والقرب إليها، وإن كان من المتحيرة، لزم منه ما لزم في الاستفادة من الشمس من رؤية المستضيء تارة هلاليًا، وتارة نصف دائرة ونحوها بسبب اعتوار القرب والبعد عليه، ولو كان معنى كلامه ما زعمت لم يكن للترديد الذي ذكره، ثمرة، بل كان لغوًا محضًا وكان يجب
1 / 50