الكواكب، إشارة إلى هذا الخلاف الواقعي المعروف بين الفريقين حملنا كلامه على العموم.
فإن قلت: فهلا جعلت الضمير في قوله: والأشبه أنها ذاتية راجعًا إلى البعض بنوع من الاستخدام. قلت: لا يخفى ما فيه من البعد والتعسف فإن التعبير عن اختيار شق ثالث غير معروف أصلًا بمثل هذه العبارة يشبه الرطانة كما يشهد به الذوق السليم.
فإن قلت: يمكن حمل كلامه ابتداءًا على بيان الخلاف في البعض أعني الخمسة المتحيرة وتخصيصه نقل الخلاف بالخلاف بالبعض ليس بمعنى: أنه لا خلاف في غيرها حتى يكون كاذبًا في دعواه، إذ الخلاف في الكل يستلزم الخلاف في البعض.
قلت: عدم وجدان طريق إلى إثبات ذاتية أنوار الكل إنما يصلح وجهًا لتخصيص الدليل بالبعض، لا لنقل الخلاف في البعض، والقول: بأنه غير كاذب في هذا النقل، لأن الخلاف في الكل يستلزم الخلاف في البعض، كلام مموه لا يحسن صدوره عن ذي روية، إذ المحذور ليس لزوم كذب العلامة في هذا النقل، بل لزوم كون كلامه حينئذ كلامًا مرذولًا شديد الفجاجة، كثير السماجة، ونظيره أن يقول بعض الطلبة: اختلف المعتزلة والأشاعرة في أفعال العباد هل هي صادرة عنهم حقيقة أو كسبًا؟ والأصح الأول، فيقال له: يا هذا الخلاف إنما هو في كل أفعالهم، فكيف نقلته في بعضها؟ فيجيب: بأن الخلاف في الكل يستلزم الخلاف في البعض، وإنما نقلت الخلاف في البعض لأني لم أجد طريقًا إلى إثبات صدور الكل حقيقة، وهذا كلام لا يرتاب ذو مسكة في تهافته وسخافته، ومفاسد الكلام غير منحصرة في كونه كاذبًا، بل كثير من مفاسده لا يقصر في الشناعة عن كذبه.
فإن قلت: في كلام العلامة شواهد كثيرة دالة على أن كلامه مختص بالخمس المتحيرة، منها قوله: فإن قيل: هذا إنما يصح في الكواكب التي تحت الشمس، وأما في العلوية إلى آخره، فإن المتبادر من العلوية في مصطلحهم هو ما فوق الشمس، من السيارات لا جميع ما فوقها منها ومن الثوابت، ومنها أن كلامه هذا مذكور في ذيل بيان خسوف القمر واستفادة نوره من الشمس، وحيث أنه من السيارة فيناسبه ذكر أحوالها لا أحوال بقية الكواكب ومنها أن قوله بعيد هذا المبحث: اختلفوا في أنه هل للكواكب لون؟ والأكثر على أن الأظهر ذلك مثل كمودة زحل ودرية المشتري والزهرة وحمرة المريخ وصفرة عطارد وفي الشمس خلاف، وأما في القمر فلونه ظاهر في الخسوف، لا ريب أنه بيان للاختلاف في ألوان السيارات فقط كما يشهد له التمثيل بها فيكون ما قبله بيانًا للاختلاف في أنوارها فقط أيضًا، إذ لواحق الكلام تدل على أن المراد من سوابقه ذلك.
ومنها قوله: فإن قيل: أحد الكواكب غير الشمس هو الذي يعطي الباقية الضوء، قلنا: إن كان من الثوابت لرؤي الكوكب القريب منه هلاليًا ونحوه دائمًا إلى آخره، إذ لو كان مراده
1 / 49