وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه، ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف دين الإسلام إلا تفطن لها وقال: هذا أصل دين الإسلام. وكان بعض أكابر الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول: هذا أعظم ما بينه لنا، لعلمه بأن هذا أصل الدين، وكان هذا وأمثاله في ناحية أخرى يدَّعون الإسلام ويدعون الأموات ويسألونهم ويستجيرون بهم ويفزعون إليهم، وربما كان ما يفعلونه بالأموات أعظم، لأنهم إنما يقصدو الميت في ضرورة نزلت بهم فيدعون دعاء المضطر راجين قضاء حاجاتهم بدعائه والدعاء به عند قبره، بخلاف عبادتهم لله ودعائهم إياه فإنهم يفعلون في كثير من الأوقات على وجه التكلف والعادة، حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم، قال بعض الشعراء:
يا خائفين من التتر ... لوذوا بقبر أبي عمر
أوقال: عوذوا بقبر أبي عمر ... ينجيكم من الضرر
فقلت لهم: هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، فإنه قضى أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك ولحكمة كانت لله ﷿ في ذلك، ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، فلم كان بعد ذلك جعلنا نأمر بإخلاص الدين لله والاستغاثة به، وأنهم لا يستغيثون إلا إياه، لا يستغيثون بملك مقرب ولا نبي مرسل. فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم نصرهم على عدوهم نصرا لم يتقدم نظيره، ولم يهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلا، لما صح من توحيد الله وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك، فإن الله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد كما قال تعالى في يوم بدر: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ الآية. وروي أن النبي ﷺ يوم بدر كان يقول: "يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث" وفي لفظ: "أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك"، وهؤلاء يدعون الميت والغائب فيقول أحدهم:
1 / 371