إنه إذا طلب منه ما يليق بمنصبه فهذا لا نزاع فيه، والطلب منه في حياته والاستغاثة به في حياته فيما يقدر عليه لم ينازع فيهما أحد. فما ذكره لا يدل على مورد النزاع، ولكن هذا أخذ لفظ الاستغاثة ومعناها العام فجعل يشبه به، وهذا إنما يليق بمن قال: لايستغيث به أحد حيا ولا ميتا في شيء من الأشياء، ومعلوم أن العاقل لا يقول هذا في آحاد العامة فضلا عن الصالحين فضلا عن الأنبياء والمرسلين فضلا عن سيد الأولين والآخرين، فإنه ما من أحد إلا يمكن أن يستغاث به في بعض الأشياء فكيف بأفضل الخلق وأكرمهم على الله، ولكن النفي عاد إلى الشيئين: على الاستغاثة به بعد الموت، وأن يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى. وأما قول هؤلاء الجهال فهو يستلزم الردة عن الدين، والكفر برب العالمين، ولا ريب أن أصل قول هؤلاء هو من باب الشرك بالله الذي هو الكفر الذي لا يغفره الله تعالى، فإن الله تعالى قال في كتابه: ﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾ الآية، وقد قال غير واحد من السلف: هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم، وقد ذكروا ذلك بعبارات متقاربة في كتب الحديث والتفسير وقصص الأنبياء كما ذكره البخاري في صحيحه وجماعة من أهل الحديث، وقد أمر الله تعالى نبيه أن يقول: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ الآية، فيقول أهل الضلال: هذا يقوله هو نفسه، وأما نحن فبيس لنا أن نقول هو بشر، بل نقول كما قال فلان وفلان. ومن زعم أن محمدا بشر كله فقد كفر. وهذا يقوله قوم منهم، وهو تشبه بقول النصارى في المسيح، يقولون: هو ليس بشرا كله، بل المسيح عندهم اسم يتناول اللاهوت والناسوت، والإلهية والبشرية له جميعا، وهذا يقوله طائفة من غلاة الصوفية والشيعة يقولون باتحاد اللاهوت والناسوت في الأنبياء والصالحين كما تقول النصارى في المسيح. ونحن نعلم بالضرورة أن النبي ﷺ لم يشرع لأمته أن تدعو أحدا من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين بلفظ الاستغاثة ولا غيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا إلى ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله ﷺ، ولكن لغلبة الجهل
1 / 370