على الاستحلال كفروا، وإن أقروا به جلدوا، فلم يكفرهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق، فإذا أصروا على الجحود كفروا، وقد ثبت في الصحيحين حديث الذي قال لأهله: "إذا أنا مت فاسحقوني ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين" فأمر الله البر فرد ما أخذ منه، وأمر البحر فرد ما أخذ منه، وقال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك يا رب. فغفر له". فهذا اعتقد أنه إذا فعل ذلك لا يقدر الله على إعادته، وأنه لا يعيده، أو جوز ذلك، وكلاهما كفر، لكن كان جاهلا لم يتبين له الحق بيانا يكفر بمخالفته فغفر الله له. ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن يكون الله تعالى فوق العرش: أنا لو وافقتكم كنت كافرا، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطابا لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم. وهو قد احتج بحديث الأعمى الذي قال: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة" وهذا الحديث لا حجة فيه لوجهين: أحدهما أنه ليسهو استغاثة بل توجها به، والثاني أنه إنما توجه بدعائه وشفاعته، فإنه طلب من النبي ﷺ الدعاء وقال في آخره: "اللهم فشفعه في" فعلم أنه شفع له، فتوسل بشفاعته لا بذاته، كما كان الصحابة يتوسلون بدعائه في الاستسقاء وكما توسلوا بدعاء العباس بعد مماته. وكذلك في أول الحديث أنه طلب من النبي ﷺ أن يدعوله، فيدل الحديث على أن النبي ﷺ شفع له ودعا له، وأن النبي ﷺ أمره أن يدعو الله تعالى وأن يسأله قبول شفاعته. وقوله: يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، خطاب لحاضر في قلبه، كما نقول في صلاتنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، كما يستحضر الإنسان من يحبه ويبغضه في قلبه ويخاطبه، وهذا كثير. وما ذكره من توسل آدم وحكاية المنصور فجوابها من وجهين: (أحدهما) أن هذا لا أصل له ولا تقوم به حجة ولا إسناد لذلك، و(الثاني) أنه لم يدل على التوسل بذاته ولا على الاستغاثة. وأما اشتكاء البعير إليه فهذا كاشتكاء الآدمي إليه، ومازال الناس يستغيثون به في حياته كما يستغيثون به يوم القيامة. وقد قلنا
1 / 369