الاستغاثة به، ولا جعل هذا من السب، بل عامتهم وافقوا على منع الاستغاثة به، بمعنى أن يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله، وما علمت عالما نازع في أن الاستغاثة بالنبي وغيره من المخلوقين بهذا المعنى لا تجوز، مع أن قوما كان لهم غرض وفيهم جهل بالشرع قاموا في ذلك قياما عظيما واستغاثوا بمن له غرض من ذوي السلطان، وجمعوا الناس وعقدوا مجلسا عظيما ضل فيه سعيهم، وظهر فيه جهلهم، وخاب فيه قصدهم، وظهر فيه الحق لمن يعاونهم من الأعيان، وتمنوا أن ما فعلوه ما كان، لأنه كان سببا في ظهور الحق مع الذي عادوه وقاموا عليه، وسببا لانقلاب الحق إليه، وكانوا كالباحث على حتفه بظلفه، والجادع مارن أنفه بكفه، مع فرط تعصبهم وكثرة جمعهم وقوة سلطانهم، ومكايد شيطانهم. وهذه الطريقة التي سلكها هذا وأمثاله هي طريقه أهل البدع الذين يجمعون بين الجهل والظلم، فيبتدعون بدعة مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الصحابة، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم كالخوارج المارقين، وكذلك الروافض الذين كفروا أبا بكر وعمر وعثمان ومن والاهم وأئمة السنة والجماعة. وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موفقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون فيمن خرج عنها ولو ظلمهم، كما قال تعالى: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ الآية، فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم، لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله. كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله، لأن الكذب والزنى حرام لحق الله، كذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله، وأيضا فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر، ولهذا لما استحل طائفة من الصحابة الخمر - كقدامة ابن مظعون وأصحابه، وظنوا أنها تباح لمن عمل صالحا على ما فهموه من آية المائدة - اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أنهم يستتابون فإن أصروا
1 / 368