سقط أبو الحارث حمير من سطح؛ فقيل له: أكان السطح مرتفعًا؟ قال: لا تسأل عن شيء؟ استطبت برد الهواء قبل الوصول إلى الأرض.
وقال رجل: أشتهي أن أرى خلفي. فجاءه أبو الحارث بمرآة فجعلها تلقاء وجهه.
وتشهى قوم ضروبًا من الطعام. فقالوا: ما تشتهي يا أبا الحارث؟ فقال: الوفاء بهذا.
وأكل يومًا مع قوم رؤوسًا، فتبادروا إلى الأعين ليقتلعوها فتنحى ناحية. فقالوا: مالك؟ قال: ظننتكم ناسًا فإذا أنتم نسور.
وجلس يتغدى مع الرشيد وعيسى بن جعفر فأتي بخوان عليه ثلاثة أرغفة، فأكل أبو الحارث رغيفه قبلهما. وقال: يا غلام، فرسي! ففزع الرشيد وقال: ويلك! مالك؟ قال: أريد أن أركب إلى ذلك الرغيف الذي بين يديك، فضحك الرشيد وأمر له بجائزة.
ومال أبو الحارث على زفر بن الحارث وعنده جوار يغنين وأبو الحارث جائع. فقال: اسقوا أبا الحارث وغنينه ما يقترح. فقال: بحياتي غنين:
خليليّ داويتما ظاهرًا ... فمن ذا يداوي باطنا
فقال زفر: غنين:
من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب
ونظر أبو الحارث إلى برذون يستسقى عليه الماء فقال:
وما المرء إلاّ حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل
لو أن هذا البرذون هملج لما فعل به هذا.
ونصب مع رفقاء له قدرًا وجعل فيها لحمًا. فلما تلهوجت نشل بعضهم قطعةً وقال: تحتاج إلى ملح، ونشل آخر قطعة وقال: تحتاج إلى أبزار، ونشل آخر قطعة وقال: تحتاج إلى بصل، فرفع أبو الحارث القدر وقال: والله تحتاج هذه القدر إلى لحم.
طرف متفرقة
وسرق مدني قميصًا فبعثه مع ابنه يبيعه، فسرق منه في الطريق، فلما رجع قال أبوه: بعت القميص. قال: نعم! قال: بكم؟ قال: برأس المال.
دعا بعض الملوك بأبي علقمة الممرور وآخر مجنون ليضحك منهما، فشتماه فغضب. وقال: السياط يا جلادين. فقالا: كنا مجنونين فصرنا ثلاثة، فضحك وأجزل صلتهما.
وطبخ بعض البخلاء قدرًا فقعد هو وامرأته يأكلان. فقال: ما أطيب هذا القدر لولا الزحام! قالت: أي زحام ها هنا إنما أنا وأنت! قال: كنت أحب أن أكون أنا والقدر.
أبو الأغر يظن الكلب لصًا
نزل شيخ أعرابي من بني نهشل يكنى أبا الأغر على بنت أخت له من قريش بالبصرة، وذلك في شهر رمضان؛ فخرج الناس إلى ضياعهم؛ وخرج النساء يصلين في المسجد، ولم يبق في الدار إلا الإماء؛ فدخل كلب فرأى بيتًا فدخله وانصفق الباب، فسمع الإماء الحركة فظنن لصًا دخل الدار؛ فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته، فأخذ عصًا ووقف على باب البيت. فقال: إيها والله! إني بك لعارف، فهل أنت من لصوص بني مازن، وشربت نبيذًا حامضًا خبيثًا حتى إذا دارت الأقداح في رأسك منتك نفسك الأماني، فقلت: أطرق دور بني عمرو، والرجال خلوف، والنساء يصلين في مسجدهن فأسرقهن، سوءةً لك! والله ما يفعل هذا حر، بئسما منتك نفسك! فاخرج بالعفو عنك، وإلا دخلت بالعقوبة عليك، وأيم الله لتخرجن أو لأهتفن هتفةً يلتقي فيها الحيان عمرو وحنظلة، ويصير زيد زيدًا، وتجيء سعد بعدد الحصى وتسيل عليك الرجال من هاهنا وهناها؛ ولئن فعلت لتكونن أشأم مولود في بني تميم.
فلما رأى أنه لا يجيبه أخذه باللين، فقال: اخرج بأبي أنت منصورًا مستورًا، إني والله ما أراك تعرفني، ولئن عرفتني لوثقت بقولي، واطمأننت إلي، أنا أبو الأغر النهشلي، وأنا خال القوم وجلدة ما بين أعينهم، لا يعصون لي رأيًا، وأنا خفير كفيل أجعلك شحمة بين أذني وعاتقي، فاخرج أنت في ذمتي، وإلا فعندي قوصرتان أهداهما إلي ابن أختي البار الوصول، فخذ إحداهما فانتبذها حلالًا من الله ورسوله. وكان الكلب إذا سمع هذا الكلام أطرق، وإذا سكت وثب يريد الخروج، فتهافت أبو الأغر ثم قال: يا ألأم الناس، أراني بك الليلة في واد وأنت في آخر، وأنت في داري أقلب البيضاء والصفراء، فتصيح وتطرق، وإذا سكت عنك وثبت تريد الخروج، والله لتخرجن أو لألجن عليك.
فلما طال وقوفه جاءت جارية وقالت: أعرابي مجنون! والله ما أرى في البيت أحدًا، ودفعت الباب، فخرج الكلب مبادرًا، ووقع أبو الأغر مستلقيًان فقلن له: قم ويحك! فإنه كلب. فقال: الحمد لله الذي مسخه كلبًا وكفى العرب حربًا.
أبو حية النميري يتوهم البرذون لصًا
1 / 82