وكان كاتب أوتامش شجاع بن القاسم، وابن الخصيب عنده سحبان وائل، وكان شجاع أميًا لا يقرأ ولا يكتب ولا يفهم، وإنما علم علامات يكتبها في التواقيع. قال الحسن بن مخلد: وصفني محمد بن عبد الله بن طاهر للمستعين وسأله أن يدخلني في جملة من ينادمه؛ فدعاني لمنادمته يومًا، فإنا لقعود بين يديه ومعنا أوتامش إذ دخل شجاع بن القاسم ومعه شيء يريد عرضهن فنظرت إليه، وقد أخرج سراويله من خفه، ووقع على قدميه، ودخل تحت عقبه من إحدى رجليه وهو يسحبه ويدوسه، فغمزت محمد بن عبد الله فضحك، ورأى المستعين ذلك؛ فسأله عن سبب ضحكه فدافعه. فقال له: بحياتي. فقال له: سل الحسن يا سيدي، فنظر إلي وقال: هيه يا حسن!! فأومأت إلى سراويل شجاع؛ فضحك حتى استلقى، وقال: ويلك يا شجاع!! ما هذا؟ قال: الساعة يا سيدي داسني كلب فخزقت سراويله وثيابه، فازداد ضحك المستعين وأهل المجلس، وضجر أوتامش من ضحكهم بكاتبه.
وسأل شجاعًا بعض الهاشميين حاجة؛ فقال لهم: ليس الأمر فيها إلي وهو للأمير يعني أوتامش وهو يجلس أول من أمس يعني بعد غد.
وكانت جميع أتباع شجاع تخاليط، وجملة كلامه أغاليط.
قال ابن عمار: عملت شعرًا رائجيًا لا معنى له، وواقفت سعيد بن عبيد على أن يروي الشعر رجلًا من الهاشميين، وكان لنا صديقًا، وكان جلدًا شهمًا، على أن ينشده شجاع بن القاسم ويعرفه أنه مدح له، وضمنا له على ذلك ألف درهم. والشعر:
شجاعٌ لجاعٌ كاتبٌ لاتبٌ معًا ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل
خبيصٌ لبيصٌ مستمرٌ مقوّم ... كثيرٌ أثيرٌ ذو شمال مهذّب
بليغٌ لبيغٌ كلّما شئت قلته ... فإن كنت مسكاتًا عن القول فاسكت
فطينٌ لطينٌ آمرٌ لك زاجرٌ ... حصيفٌ لصيفٌ كل ذلك يعلم
أريب لبيب فيه فهم وعفّة ... عليم بشعر حين أنشد يشهد
كريم حليم قابض متباسط ... إذا جئته يومًا إلى البذل يسمح
فوقف إليه. وقال: أيها الوزير؛ ليس العشر من صناعتي، ولكنك أحسنت إلي وإلى أهلي بما أوجب شكرك، فتكلفت أبياتًا مدحتك فيها، فتفضل بسماعها. فقال: قد أغناك شرفك وحالك عن الشعر. فقال: لا بد أن يتفضل الأمير بسماعها، فأنشد الأبيات فشكره عليها وسر بها سرورًا زائدًا؛ ودخل إلى المستعين فأخرج له صلة عشرة آلاف درهم، وأجرى له ألف درهم في كل شهر. فقال لهما الطالبي: أنتما أوصلتما ذلك إلي، والله لا أخذت منكما شيئًا، ولولا اتساعكما لوصلتكما بما وصلت به.
وقدم إليه شاعر محسن فقال له: قد سبق إلي من الوزير وعد وتلاه شكر، والوزير حقيق بإنجاز وعده وقبول شكري وأنشده:
أبو حسن يزيد الملك حسنًا ... ويصدق في المواعد والمقال
جبانٌ عن مذمّة آمليه ... جريءٌ في العطّية والنّوال
أجلّ الله في سرٍّ وجهرٍ ... فأعطاه المهابة بالجلال
فقال له: وما يدريك أني جبان! ولم يفهم معناه. فقال. أعزك الله، إنما قلت إنك تجبن عن البخل ولا تبخل بشيء، وإلا فأنت شجاع كاسمك. فقال: ما أعطيك على هذا الشعر شيئًا، ولكن على ميلك وشكرك، ووقع له بألف دينار، ولو فهم ما قال لجعل مكان الألف ألوفًا.
وفي المستعين يقول البحتري من قصيدة طويلة:
وما لحية القصّار حين تنفّشت ... بجالبة خيرًا على من يناسبه
يجوز ابن جلاّد على الشعر عنده ... ويغدو شجاعٌ وهو للجهل كاتبه
الحسين بن مخلد لم يكن كاتبًا ولا منادمًا
وكان الحسن بن مخلد مضطلعًا بأمر الدواوين عالمًا بالدخل والخرج، ولم تكن له صناعة في الكتابة ولا استحقاق للمنادمة.
قال أبو الفضل أحمد بن سليمان: جمعني والحسن بن مخلد مجلس فيه أبي، فسألني عن سني فأخبرته وأخبرني عن سنه، فرأيته أكبر مني بعشر سنين. فقلت له: قال لي الزبير بن بكار: كانت العرب تقول العشرة بين المشايخ لدة. فغضب وظن أني قد شتمته، والتفت إلى أبي فقال: يا أبا أيوب، ليس كل من علم شيئًا من العربية يطلق لسانه في الناس بالشتم. فقال له أبي: إنه لم يرد مكروهًا، وإنما أراد التقرب منك، ومعنى لدة ترب؛ فلم يسكن إلى أن افترقنا.
من نوادر أبي الحارث
1 / 81