قال ابن أبي عون: مر الحمدوني بابن حرب وهو جالس على باب داره وعلى كتفه وسادة. قال: لأي شيء هذه يا حمدوني؟ قال: أرقع بها طيلسانك. قال: ما تزال تهجونا منثورًا وموزونًا!!.
ومن طريف شعره فيه:
يا طيلسان ابن حربٍ قد هممت بأن ... تودي بجسمي كما أودي بك الزمن
ما فيك من حيلة تغني ولا ثمنٍ ... قد أوهنت حيلتي أركانك الوهن
فلو تراني لدى الرّفّاء مرتبطًا ... كأنني في يديه الدهر مرتهن
أقول حين رآني الناس ألزمه ... كأنّما لي في حانوته وطن
من كان يسأل عنّا أين منزلنا؟ ... فالأقحوانة منّا منزلٌ قمن
البيت للحارث بن خالد المخزومي.
وقال:
قل لابن حرب طيلسا ... نك قوم نوحٍ منه أحدث
أفنى القرون ولم يزل ... عمّن مضى من قبل يورث
فإذا العيون لحظنه ... فكأنّه باللحظ يحرث
يودي إذا لم أرفه ... وإذا رفوت فليس يلبث
كالكلب إن تحمل علي ... هـ الدهر أو تتركه يلهث
وقال:
وهبت لنا ابن حرب طيلسانًا ... يزيد المرء في الضعة اتضاعا
يسلّم صاحبي فيقدّ شبرًا ... له وأقدّ في ردّي ذراعا
أجيل الطّرف في طرفيه طولًا ... وعرضًا ما أرى إلاّ رقاعا
فلست أشكّ أن قد كان قدمًا ... لنوحٍ في سفينته شراعا
فقد غنّيت إذ أبصرت منه ... جوانبه على بدني تداعى
قفي قبل التفرّق يا ضباعا ... ولا يك موقفٌ منك الوداعا
البيت للقطامي عمير بن شييم التغلبي: وقال فيه:
قل لابن حرب طيلسانك قد ... أوهى قواي بكثرة القدم
متبيّنٌ فيه لمبصره ... آثار رفو أوائل الأُمم
فكأنّه الخمر التي وصفت ... في يا شقيق النفس من حكم
فإذا رممناه فقيل لنا ... قد صح قال له البلى: انهدم
مثل السقيم برا فعاوده ... نكسٌ فأسلمه إلى سقم
أنشدت حين طغى فأعجزني ... ومن العناء رياضة الهرم
والخمرة التي وصفت فيما ذكر لأبي نواس:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم
فاسقني الخمر التي اعتجرت ... بخمار الشيب في الرّحم
ثمّت انصات الشباب لها ... بعد أن جازت مدى الهرم
فهي لليوم الذي بزلت ... وهي تلو الدهر في القدم
عتّقت حتى لو اتصلت ... بلسانٍ ناطقٍ وفم
لاحتبت في القوم مائلة ... ثم قصّت قصة الأمم
فرعتها بالمزاج يدٌ ... خلقت للكأس والقلم
في ندامى سادة نجب ... أخذوا اللذّات من أمم
فتمشّت في مفاصلهم ... كتمشّي البرء في السقم
صنعت في البيت إذ مزجت ... كصنيع الصّبح في الظلم
فاهتدى ساري الظلام بها ... كاهتداء السفر بالعلم
وزعم ابن قتيبة أن هذا الشعر لوالبة بن الحباب، وإنما يخاطب به أبا نواس الحكمي. وقال غيره: بل الشعر لأبي نواس وإنما أغار على والبة في قوله:
يا شقيق النفس من أسد ... لم تنم عيني ولم تكد
وقال الحمدوني:
طيلسانٌ لابن حرب جاءني ... قد قضى التمزيق منه وطره
أنا من خوفي عليه أبدًا ... سامريٌّ ليس يألو حذره
يابن حربٍ خذه أو فابعث بما ... يشتري عجلًا بصفر عشره
فلعلّ الله يحييه لنا ... إن ضربناه ببعض البقره
فهو قد أدرك نوحًا، فعسى ... عنده من علم نوحٍ خبره
أبدًا يقرأُ من أبصره ... أئذا كنّا عظامًا نخره
وكان يقول: أنا ابن قولي، يريد أنتسب إليه كما أنتسب إلى أبي. وقال:
يابن حرب كسوتني طيلسانًا ... ملّ من صحبة الزمان وصدّا
فحسبنا نسج العناكب إذ قي ... س إلى ضعف طيلسانك سدّا
1 / 58