إن تنسمت فيه ينجرّ جرًّا ... أو تبسمت منه ينقدّ قدّا
طال ترداده إلى الرّفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدّى
وكان أبو تمام يقول: أنا ابن قولي:
نقّل فؤادك أين شئت من الهوى ... ما الحبّ إلاّ للحبيب الأوّل
كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدًا لأوّل منزل
وقال الحمدوني في الطيلسان:
ولي طيلسانٌ إن تأمّلت شخصه ... تيّقنت أنّ الدهر يفنى وينقرض
تصدّع حتّى قد أمنت انصداعه ... وأظهرت الأيام من عمره الغرض
فلو أنّ أصحاب الكلام يرونه ... لماروك فيه وادّعوا أنه العرض
وقال:
يابن حربٍ كسوتني طيلسانًا ... أمرضته الأوجاع فهو سقيم
فإذا ما لبست قلت سبحا ... نك تحيي العظام وهي رميم
طيلسانٌ له إذا هبّت الرّي ... ح عليه بمنكبيّ هميم
لو يدبّ الحوليّ من ولد الذ ... رّ عليه لأندبته الكلوم
وقال:
إن ابن حرب كساني ... ثوبًا يطيل انحرافه
أظلّ أدفع عنه ... وأتّقي كلّ آفه
فقد تعلمت من خش ... يتي عليه الشقافه
من الملح
وقف أبو العيناء على باب صاعد بن مخلد فقيل له: إنه يصلي فانصرف، ثم عاوده، فقيل له: إنه يصلي. فقال: لكل جديد لذة. وكان صاعد نصرانيًا ثم ارتقت به الحال أن توزر للموفق بن أحمد بن المتوكل، وكان أخوه المعتمد الخليفة ولم يكن له مع الموفق أمر ولا نهي، وقد قال المعتمد لما ملك عليه أخوه الأمر، أو قيل على لسانه:
أليس من العجائب أنّ مثلي ... يرى ما قلّ ممتنعًا عليه
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعًا ... وما من ذاك شيءٌ في يديه
ولما أجاب الصولي أبا القاسم بن عبد الله ملك المغرب اقتضى ذكر ولد العباس والخلفاء خليفةً خليفةً حتى انتهى إلى المعتمد فقال:
ومعتمدٌ من بعدهم وموفّقٌ ... يردّد من إرث الخلافة ما ذهب
موازٍ لهم في كل فضلٍ وسؤددٍ ... وإن لم يكن في العدّ منهم لمن حسب
ولما احتاج الصولي إلى ذكر الموفق لشهامته وحزامته، وكأن القصيدة إنما أجاب بها على المقتدر بن جعفر بن المعتضد بن الموفق، فلو لم يذكره لانقطع عليه ما أراد.
وكان المعتمد مضعوفًا، وكان أمره قبل تمكن الموفق في يد وصيف حتى قال باذنجانة الكاتب:
يا دولة بائرة ... كاسفة ما تبتغى
خليفة مستضعف ... بين وصيف وبغا
يقول ما قالا له ... كما تقول الببّغا
ودخل أبو خالد يزيد المهلبي على المعتمد مرات، فأنشده قصائد على الدال؛ فقال: يا يزيد؛ ما أراك تعدو الدال؟ فقال: وكيف أعزك الله يا أمير المؤمنين واسمي يزيد، وأبي محمد وأكنى بأبي خالد، وأنت المعتمد، وتسمى بأحمد، ومن صفاتك السيد والماجد والجواد، فأين أدع الدال؟ وهذا كقول أبي صدقة المدني وقد قيل له: ما أشد إلحافك؟ فقال: تلومونني على ذلك وأنا اسمي مسكين، وكنيتي أبو صدقة، واسم أبي صدقة، واسم امرأتي فاقة.
من طرف أبي العيناء
ووقف أبو العيناء على باب إبراهيم بن رباح فقيل: هو مشغول. فقال: إذا شغل بكأس يمناه، وبحر يسراه، وانتسب إلى أب لا يعرف أباه، لم يحفل بحجاب من أتاه.
1 / 59