وسألت عبد الله بن عبد الصمد عن مثل ذلك وكان مؤدبًا فقال: لقيناهم في مقدار كنف، فما كان إلا بمقدار ما يقرأ الصبي إمامة، حتى تركناهم في أضيق من فم الرقم، فلو طرحت دواةً لما سقطت إلا على حجر قتيل.
وقد كان قال في الغزل:
قد أمات الهجران صبيان قلبي ... ففؤادي مولّهٌ ذو خبال
كسر البين لوح وصلي فما أط ... مع ممن هويته في وصال
وقع الرقم عن دواتي فمذ أطل ... ق مولاي حبله من حبالي
مشق الحبّ من فؤادي لوحي ... ن فأغرى جوانحي بالسلال
لاق كبدي دواته فمداد ال ... عين مذ صدّ مالكي ذو انهمال
وسألت الجهم بن بدر عن مثل ذلك وكان صاحب حمام ت فقال: لقيناهم في مثل بيت الابتذال، فقاتلناهم بقدر ما تخلف النورة، ثم ألجأناهم إلى أضيق من الأبزن، فهزمناهم بقدر ما يغسل الرجل وجهه؛ فلو طرحت ليفة لما وقعت إلا على ظهر رجل.
وقد كان قال في الغزل:
يا نورة الهجر غلفت الصفا ... بما بدا من ليفة الصدّ
يا مبذر الأسقام حتّى متى ... تنقع في حوضٍ من الجهد
انقل ذيول الوصل لي مرة ... منك بزنبيلٍ من الودّ
فالبين مذ أوقد حمّامه ... هيّج قلبي مشلّح الوجد
أفسد خطمي الهوى والصفا ... بحاله الناقض للعهد
وسألت الحسن بن أبي قماش وكان أبوه كناسًا فقال: لقيناهم بقدر ما يكنس الرجل زنبيلًا، حتى تركناهم في أضيق من جحر المخرج، فلو رميت بنت وردان لما وقعت إلا على ظهر قتيل.
وكان قد قال في الغزل:
أصبح قلبي للهوى مخرجًا ... تسلح فيه فقحة الهجر
خنافس الهجران أثكلنني ... نومي فولّى معرضًا صبري
وبنت وردان الهوى تيّمت ... عقلي فما أعقل ما أمري
وسألت أحمد الشرابي، فقال: لقيناهم في مقدار بيت شراب، فلم يكن إلا بمقدار ما يبزل الرجل دنا، حتى تركناهم في أضيق من رطلية، ثم سالت دماؤهم كالدردي، فلو طرحت كأسًا لما وقع إلا في كف رجل.
وكان قد قال في الغزل:
شربت بكأس اللهو من راحة الهوى ... ورقرقت خمر الوصل في قدح البين
فسالت دنان الحبّ يدفقها الصبا ... وكرّت قرابات دمعي على عيني
وسألت عبد الله الطاهري وكان طباخًا فقال: لقيناهم في مقدار مطبخ أمير المؤمنين، فما كان إلا بمقدار ما يشوي الرجل حملًا أو جدبًا، أو يفرغ من طبخ ثلاثة ألوان، أو يعقد فالوذجةً، حتى تركناهم في أضيق من أثافي القدر، فلو طرحت ملعقة لما وقعت إلا على بطن قتيل.
وكان قد قال في الغزل:
شبه الفالوذج في حمرة الخ ... دّ ولوزينج النفوس الظماء
أنت جوزينج الفؤاد وفي اللي ... ن كلين الخبيصة الصفراء
أنت مستهترٌ بسكباج ودّ ... بعد جوزابة بجنب شواء
يا قتار القدور في يوم عرسٍ ... وشبيهًا بشهدةٍ بيضاء
أنت أشهى إلى الفؤاد من الزب ... د مع البرسيان وقت الغداء
أطعم الحاسدين ألوان غمّ ... في قصاع الأحزان والضراء
قد غلا القلب مذ خلت منك داري ... غليان القدور بعد الصّلاء
هام لمّا كسرت فيك غضارا ... ت سروري مفارق الشّحناء
إنّ إسفيداج وجهك يشفي ... من رقيق الأحزان أي شفاء
فتفضل على العميد بماء ... ورد يكبت قلوب العداء
وسألت داود الفراش عن مثل ذلك قال: لقيناهم في مثل تربيع الفسطاط، فما كان إلا بقدر ما يفرش الرجل بيتًا أو بيتين، حتى تركناهم في أضيق من صاريات ثم قتلناهم، فلو رأيت نجار التراب عليهم وقد سالت دماؤهم في حمرة الأرمني.
وكان قد أنشدني في الغزل:
كنس الهجر ساحة الوصل لمّا ... عثر البين في وجوه صفائي
فلقد بثّ في فراش همومي ... تحت خدّي وسائدًا لضنائي
حين هيأت بيت حسن من الوص ... ل لأثوابه ستور إخاء
1 / 55