وكل ما العادة فيه تدخل ... - ... من الأمور فهي فيه تعمل يعني أن كل ما تدخل فيه العادة أي عادة العوام القولية والفعلية من الأحكام الشرعية فهي عاملة فيه أي محكمة فيه تخصيصه إن كان عاما وتقييده إن كان مطلقا وتبيينه إن كان مجملا. والذي تدخل فيه عادة العوام القولية أي الذي تحكم فيه هو ألفاظ الناس في الأيمان والمعاملات من العقود والفسوخ والإقرارات والشهادات والدعاوى، وهي في غلبة استعمال اللفظ في معنى غير معناه الأصلي أم لا حتى يصير هو المتبادر إلى الذهن منه عند الإطلاق ويصير المعنى الأصلي كالمهجور.
مثال تخصيصها للعام حمل يمين من حلف أن لا يركب دابة على ذوات الأربع، فلا يحنث بركوب غيرها من كل ما يدب على وجه الأرض، كما إذا ركب نعامة أو إنسانا مع أن لفظ الدابة لغة يشمل كل ما ذكر ولكن خصصته العادة القولية بذوات الأربع.
وأما عادة العوام الفعلية فهي غلبة معنى من المعاني على جميع البلاد أو بعضها، وهي محكمة في أمور معلومة كمعرفة أسباب الأحكام من الصفات الإضافية كصغر ضبة وكبرها، وإطلاق ماء وتقييده، وغالب الكتابة، ونادر العذر ودائمه وتقدير نفقات الزوجات والأقارب وكسوتهم، وكتمييز ما هو الأنسب للرجال من متاع البيت وما هو الأنسب للنساء منه.
مثال تحكيمها القضاء للمرأة بالفرش والوسائد إذا اختلفت مع الزوج فيها ولا بينة لأن العادة قاضية أنها لا يملكها إلا النساء، وكالقضاء بآلة الحرب للرجل إذا اختلف مع امرأته ولا بينة، لأن العادة قاضية أنها لايملكها إلا الرجال؛
والأصل في هذه قوله تعالى { خذ العفو وامر بالعرف } وقوله - صلى الله عليه وسلم - لهند بنت عتبة: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" لما قالت له إن أبا سفيان رجل مسيك.
ولم يتكلم الناظم على العادة الشرعية لأنها من جملة الأدلة الشرعية تخصص عموم الآيات والأحاديث وتقيد مطلقاتها وتبين مجملاتها وتنسخ المتقدم عليها.
पृष्ठ 35