أحمدك الله اللهم إن عمرت بمعالي الفضائل المحمدية رباع ذوي الجد والتكميل، واثبت بصحاح الأحاديث دقائق التأويل ومعالم التنزيل، وأوضحت بمتواتر الآثار ومشاهير الأخبار سبل الهداية المنزهة عن التقصير والتبديل، وخصصت هذه الأمة بروايتها لما نقل عن نبيها وصحابته، وتابعيهم بسند متصل، ومرسل، ومنقطع، ومعضل، وموقوف، ومسلسل، وصحيح، ومشعور، وضعيف، ومدثور، على توالي الأعصار، وتعاقب الليل والنهار في الإجمال والتفصيل، ووفقت أهل عنايتك للإنتظام في سلسلة الأسانيد المتصلة المرفوعة التي لم تزل آثارها متزايدة على ألسنة المجتهدين غير مقطوعة ولا ممنوعة، في دقائق التفريع، وحقائق التأصيل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة انتظم بها في سلك وراث حضرته، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الممد لكل كامل من فواضل خصوصيته، صلى الله عليه وعلى آله الفائزين بكريم بضعته، والباقين بعده رحمة لأمته، فيهم شفاء العليل وبرد الغليل، وعلى أصحابه وتابيعهم الذي نقلوا إلينا السنة الغراء، الواضحة البيضاء عرية عن سفاف أهل الزيغ والبهتان والتعطيل، صلاة وسلاما دائمين بدوام إنعام الله على أهل كرامته في دار المهابة والجلالسة والنعيم والتجليل.
وبعد:
فإن اتصال سند هذه الأمة بنبيها خصوصية لها من بين سائر الأمم وشرف لها معدود من أعظم النعم، فلذلك جدد خدمة السنة المطهرة عزمهم في طلب الإسناد العالي، دأبوا في تحصيله على ممر الأيام والليالي، وأخذوه عن الأساتذة والموالي، ورحلوا في طلبه إلى البلاد الشاسعة والأقطار الواسعة، حتى قال من أجاد في وصفهم العلي، وبالغ في جدهم السني:
لله در عصابة يسعون
في طلب الفوائد
يدعون أصحاب الحديث
بهم تجملت المشاهد
طورا تراهم بالصعيد
وتارة في أرض آمد
يتتبعون من العلوم بكل
أرض كل شارد
فهم النجوم المهتدى بهم
पृष्ठ 64