أنه يتبعها وجوه كثيرة١ غير راجعة إلى مطابقة مقتضى الحال ولا إلى الفصاحة، تورث الكلام حسنًا وقبولًا.
_________
١ هذا ويرى علماء البلاغة أن القرآن يتفاوت في بلاغته؛ لأنه:
أقد يقتضي المقام عشر خصوصيات فيأتي الله ﷿ بخمس منها حسب قدرة البشر مراعاة للمقام.
ب وقد تختلف المقامات فيكون مقام مقتضيًا لعشر خصوصيات وآخر مقتضيًا لخمس ولا شك أن الكلام الذي روعيت فيه العشرة أبلغ من الآخر.
وأرى أن القرآن لا تتفاوت بلاغته وأن أسلوبه وسوره وآياته في درجة واحدة من البلاغة. ويمكن الرد على رأي علماء البلاغة بما يأتي:
أأن مراعاة مقام المخاطب والاتيان بكلام يوافق حاله هو البلاغة الكاملة التي ليس فيها تفاوت.
ب لا نسلم أن الكلام الأول أبلغ من الثاني بل هما في درجة واحدة من البلاغة؛ لأن العبرة ليست بالكم بل بالكيف، ولو سلمنا لهم رأيهم لكانت سورة البقرة أبلغ من "قل هو الله أحد" أو لكانت أبلغ من نصفها، أو لكان القرآن أبلغ من سورة منه.
أوهي المحسنات البديعية، وتحسينها عرضي خارج عن حد البلاغة، وإنما تعد محسنة بعد رعاية المطابقة والفصاحة. وجعلها تابعة لبلاغة الكلام دون المتكلم؛ لأنها ليست مما تجعل المتكلم متصفًا بصفة.
والمحسنات البديعية إن أتى بها في الأسلوب من حيث أنها محسنة بحث عنها في علم البديع وكان تحسينها عرضيًّا، أما إذا اعتبرت من حيث المطابقة فتحسينها ذاتي يبحث عنه في علم المعاني.
هذا والبلاغة هي المطابقة والفصاحة واعتبار الخصوصيات، فالمطابقة والفصاحة أعم من البلاغة من حيث التحقق؛ لأنهما يوجدان بدون البلاغة فيما إذا لم تراع الخصوصية، وحينئذ فلا يعلم من كون تلك الوجوه تابعة للبلاغة كونها غيرهما؛ لأنهما تابعان لها أيضًا باعتبار أنهما من جملتها، فاحتاج إلى إفادة أنها غيرهما، فقال الخطيب في التلخيص: ويتبعها وجوه أخر، فقوله "أخر" يفيد أن تلك الوجوه ليست للازمة للبلاغة لكونها سوى الأمرين اللذين تحصل بهما البلاغة وتلك الوجوه في الكلام إنما تكون بعد البلاغة. ويقول السكاكي: البلاغة بمرجعها: علم المعاني وعلم البيان، والفصاحة بنوعيها: اللفظية والمعنوية، ما يكسو الكلام حلة التزيين، وههنا وجوه مخصوصة كثيرًا ما يصار إليها لقصد تحسين الكلام وهي قسمان: قسم يرجع إلى المعنى وقسم يرجع إلى اللفظ ص١٧٦ مفتاح.
1 / 48