ولعل من الحق علينا هنا أن نضيف إلى تلك الأسباب التي خلقت هذه الخصومات، سببا آخر نحس آثاره في كل عصر، وهو داء الحسد الذي إذا تملك قلب إنسان أفسده وأعمى بصيرته، وجعله لا يبغي لخصمه إلا الشر والأذى؛ ولهذا أمرنا الله أن نتعوذ من الحسد والحاسدين في سورة من قصار المفصل.
ومهما يكن فإن الشيخ العظيم لم يكن يبالي شيئا من ذلك كله، بل كان يصدع بالحق الذي أداه إليه اجتهاده وإن كان مرا، متوقع الأذى، ويقبله راضيا محتسبا، وفي هذا يصدق عليه قول الشاعر العربي المؤمن:
ولست أبالي حين أقتل مسلما
على أي جنب كان في الله مصرعي
مواقف ومحن
كان ابن تيمية على ما عرفنا بحرا زاخرا بالعلوم العديدة المختلفة، وكان في جميع علومه ومباحثه مجتهدا حر الرأي لا يتقيد إلا بكتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم ؛ ومن ثم ظهر بآراء شذ بها في رأي معاصريه من الفقهاء والعلماء، فوقفوا دونه فيها ونالوه بالأذى من أجلها، وظاهرهم في بعض مواقفهم رجال من ذوي الجاه والسلطان.
ومن هذه الآراء ما هو في الفقه، ومنها ما هو في العقيدة الدينية وعلم الكلام، ومنها ما هو في التصوف والفلسفة بصفة عامة التي كان يعاديها عداء شديدا. ومن ذلك، كان خصومه عديدين، وكانت له مواقف كثيرة معهم، ونتج عن هذا ضروب من المحن والشدائد حاقت به حتى انتهى الأمر بوفاته وهو معتقل مسجون.
ونحن لا نتعرض هنا لكل مواقفه مع خصومه، ولا لكل آرائه التي خالفه فيها معاصروه، فربما تناولنا هذا فيما بعد في القسم الخاص بفقهه وآرائه في علم الكلام والفلسفة والتصوف، وغير هذا كله من العلوم والدراسات.
وحسبنا أن نتناول في هذا الفصل بعض المسائل الهامة التي كان له في كل منها موقف مع خصومه، وبخاصة التي كان لها أكبر الأثر فيما أصيب به من محن قابلها بالصبر والرضا حتى لحق بالرفيق الأعلى: (1)
अज्ञात पृष्ठ