كما نعرفها أخيرا بين الشيخ ابن تيمية وبين من عاصره من الفقهاء والمتصوفة والفلاسفة وغيرهم من رجال المذاهب والفرق في العقائد الدينية.
وقد أدت هذه العصبية التي بلغت أحيانا حدا ممقوتا، إلى جدل عنيف؛ بل إلى معارك شديدة، وكان من آثار ذلك طمس الحق وضياع معالمه، وبخاصة بسبب ما كان يذكيها ويزيد في أوارها من اختلاف مناهج التفكير، والاعتماد على النقل عند فريق مهما يؤد إليه، أو الاعتماد على العقل والمنطق مهما تكن نتائجه عند فريق آخر؛ ولله في خلقه شئون! يؤتي الحكمة في القول والعمل لمن يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا. •••
ومهما يكن من أمر، فقد ظهر ابن تيمية في هذا الوسط الزاخر بالمعرفة والعلم من قديم الزمن وحديثه حتى الأيام التي عاش فيها، وأفاد من ذلك أكثر بكثير جدا مما أفاد معاصروه، وساعده على هذا الهبات الكبيرة الجليلة التي منحها الله له: نفس طلعة، وقلب مشغوف بحب المعرفة والعلم، وعقل نافذ لما فات غيره، وحافظة لا تضيع، وذاكرة قوية لا تنسى.
ولم تكن هذه المناهل العلمية الدافقة هي كل ما أفاد منه الشيخ، بل كان من الطبيعي أن يستفيد أيضا من كبار الشيوخ الذين عاصروه أو سبقوه بقليل من الزمان، أمثال الحافظ ابن عساكر وابن الأثير في التاريخ، كما أفاد من ابن قدامة، وابن الصلاح، والعز بن عبد السلام، ومحيي الدين النووي، وابن دقيق العيد، في الفقه وأصوله والتفسير والحديث واللغة وغيرها من العلوم الإسلامية.
16
وبعد، فقد جلينا فيما نعتقد عصر ابن تيمية من نواحيه المختلفة كلها، ومن أجل هذا ننتقل إلى الشيخ نفسه لنعرف حياته، وما كان فيها من صراع وكفاح وجهاد، انتهى به إلى أن صار حقا من الخالدين.
الباب الثاني
حياة ابن تيمية
عرفنا العصر الذي عاش فيه الشيخ العظيم، وما سبقه مما يعتبر عصره امتدادا له، من النواحي السياسية والعلمية والاجتماعية. ونأخذ الآن في الكشف عن حياته الحافلة بالنشاط والأحداث من جوانبها المختلفة، وسيكون هذا في فصول أو مباحث على هذا النحو: (1)
أسرته، ونشأته ودراساته ومكانته العلمية. (2)
अज्ञात पृष्ठ