فقلت: عجزت يا عماه عن السير، ولست أستطيعه؛ لذا تراني رقدت حيث أمكنني الرقود، فقال: ألا تعلم أنه خير لك أن تسير الهوينى وأن تستريح قليلا من أن تسرع في المشي فينهكك التعب، ويلجئك الكلل إلى ما لا تحمد عاقبته؟ واعلم يا ولدي، أن الجواد الكريم الذي إذا سابقته الريح ولت عليلة، وألقى في يد الريح التراب، لا يسير أكثر من ميل، أما البعير المتثاقل، فيستطيع أن يصل في سيره الليل بالنهار، والأصائل بالأسحار؛ لأن الأول ينهك نفسه، والثانية تسير بالأناة والتؤدة.
الشيب
ما تنقضي حسرة مني ولا جزع
إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع
ما كنت أوفي كنه عزته
متى انقضى فإذا الدنيا له تبع
رأيت في مجمع حافل بالفضلاء والعلماء فتى غض الشباب، لدن الإهاب، حسن الهيئة والثياب، حلو الفكاهة والحديث، وما رأيته مرة عابسا، إنما كان دائما باشا هاشا؛ لأن الحزن لم يطرق باب قلبه، ولم تخترق سهام أسى صميم فؤاده، وضرب الدهر بيننا فافترقنا، ولقيته بعد ذلك فإذا هو ذو زوجة وأطفال، فلما جلست إليه لمحت أن ورد خدوده قد اعتراه الذبول، وأن فراغ البال وسعادة القلب وصفاء النفس قد تبدلت، فصارت أحزانا مقيمة وهموما مستديمة، فسألته عن حاله، وكيف غير الزمان ما به؟
فقال: كنت قبل العيلة خلي البال فتيا، حتى رزقت أولادا فبلغت من الكبر عتيا، وقبيح بالشيخ أن يعود صبيا، وقد دلتني الخبرة على أن الشباب جنون لا يزول إلا بالشيخوخة، وأن فراغ البال داء يعالج بالمحنة؛ لذا تراني اليوم أعقل مني بالأمس وأشغل خاطرا:
تولى الجهل وانقطع العتاب
ولاح الشيب وافتضح الخضاب
अज्ञात पृष्ठ