ولم يكن علمه ونبوغه ﵀ بالفقه فحسب، بل برز في أصول الفقه وتمكن فيه، ويدل على ذلك اختصاره لكتاب المرداوي "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول"، ثم شرحه شرحًا نفيسًا حوى قواعد علم الأصول ومسائله، ومعاقد فصوله بأسلوب سلس رصين، لا تعقيد فيه ولا غموض في الجملة، فالكتاب زاخر بالقواعد والفوائد الأصولية، والفروع الفقهية، والمسائل اللغوية والبلاغية، والعلوم المنطقية (١).
ولا يخفى ما في ذلك من دلالة على تمكن مؤلفه في العلم، وعلو شأنه فيه، وبراعته في التصنيف، واطلاعه الواسع على أكثر الكتابات السابقة له في هذا الفن، واستفادته منها استفادة الناقد البصير (٢).
وقد ذكر زميله الجزيري أن له مصنفًا في علم الحديث، ولعله لا يقل عما كتبه في الفقه والأصول، وبذا أصبح فقيهًا محققا، وأصوليًّا مدققا، ومصنفًا بارعًا، انفرد بعد والده بالإفتاء والتدريس بالأقطار المصرية، وقُصد بالأسئلة من البلاد الشاسعة (٣).
ولهذا تنوعت عبارات العلماء والمترجمين له في الثناء عليه، وبيان ما كان عليه ﵀ من زهد، وصلاح، وتقلل من هذه الحياة الدنيا، وحب للعلم والتحصيل، وإفادة الناس.
قال والده بعد أن قرئ عليه كتاب: "منتهى الإرادات" في تقريضه، والثناء على مؤلفه: ". . . فرأيت ألفاظه كالسحر الحلال ومعانيه مطابقة لمقتضى الحال، وتأملت ما فيه من الدرر والجواهر، فتذكرت حينئذ المثل السائر: كم ترك الأول
_________
(١) انظر: شرح الكوكب المنير (١/ ٧، ٨).
(٢) انظر: شرح الكوكب المنير (١/ ٨).
(٣) السحب الوابلة (٢/ ٨٥٥).
مقدمة / 30