रास्ते में
في الطريق
शैलियों
ولكنها لم تكن فى حال تسمح لها بإبداء رأى. وأى رأى هناك يمكن أن يشير به أحد.. لقد ضاعت الفرصة الذهبية فى دمنهور، ولو كنا أخبرنا أخى على الأقل لاستطاع أن يبرق إلى بوليس سيدى جابر بالموضوع، ولكان لاستمرار السفر فى هذه الحالة معنى، أما الآن ...
وعلى أنا قلنا إن الفرصة لم تضع، وأن من الممكن إذا تركنا الاثنتين تسيران أمامنا وحدهما وعيوننا عليهما أن نرى هذا الذى سيتقدم لهما نائبا عن أخى خليل، وقد نستطيع فى ذلك الوقت أن نجعل البوليس يقبض عليه.. على كل حال لم يبق إلا هذا ..
ولكنا لم نجد فى سيدى جابر غير الحمالين. ووقفنا بعيدا ووقفت الاثنتان تنتظران أن يتقدم إليهما أحد - رجل أو امرأة - حتى البوفيه لم يكن فيه أحد، فقلنا لعله ينتظر فى الشارع فأومأنا إليهما أن تخرجا أمامنا، فلم يكن حظنا خارج المحطة أحسن منه داخلها. ولم تبق فائدة من التفرق فركبنا وهممنا بالمضى إلى الفندق. ولكن خاطرا خطر لى فجأة فنزلت وذهبت إلى مكتب التلغراف وبعثت ببرقية منه.
وفى اليوم التالى كنا فى مصر..
ولكن هذا لم يكن كل شىء. وهنا يحسن أن أدع أخى يتكلم: «لعله يعنيكما - يريد أختى وأمى - أن تعرفا كيف كانت عودتى البارحة بعد أن تركنى هذان المخلوقان. لا فائدة من قولى انتظرت، فإن هذا القول لا يدل على شىء. فقد تركنى فجأة وذهب يعدو كأنى جرب.. حتى محرك السيارة لم يعن بأن يوقفه. ستقولون جميعا إنه كان معذورا فليكن فإن الجدال عبث، وستسمعون بأشياء أخرى أرجو أن يكون عذره فيها أوضح.. وكان معى روكسى كما لا أحتاج أن أقول، ولا أدرى ماذا كنت أصنع لو لم يكن هذا الرفيق معى. لعلى كنت أجن أو يحدث لى شىء من هذا القبيل. ما علينا، هل أقول إن الأمر طال على وأنا قاعد فى السيارة؟ كلا، وهل أقول إنى كنت ميتا من الجوع؟ كلا أيضا. وأختصر حكاية مؤلمة، فأقول إنى نزلت من السيارة وسرت فى الاتجاه الذى رأيتهما يقصدان إليه، ولم يكن الأمر يحتاج إلى ذكاء.. فقد كان كلامهما دائرا كله على القطار ووجوب سبقه، وإن كان فيما عدا ذلك لا معنى له عندى. ولم أجدهما فى المحطة كما تعلمون، لأنهما شاءا أن يركبا القطار من غير أن يبعثا لى بكلمة. وقد سمعتهما يقولان أنهما أديا أجر الركوب مضاعفا، وهذا حسن وأن كان قليلا.. ولكنه يبرد بعض الغلة. وقد وصفتهما لكل من فى المحطة، فظن واحد أنهما هاربان من سجن، واعتقد ثان أنهما مجنونان خطران. واقتنعت أنا بأن لا فائدة من البحث، وأن أبى - رحمه الله - أخطأ حين رمانى بهذا المخلوق وزعمه أخا، وأن أمى أخطأت أيضا فى ربطنا بهذا المخلوق الثانى الذى أخفوا أمره عنى حتى خطف أختى، فصار واجبي الآن بعد أن عرفته أن أخفيه أنا عن الناس. ما علينا.. فلندع هذا التاريخ القديم.. أظنكم ستضحكون حين أقول أنى احتجت أن آكل وأن أطعم روكسى وقد يسركم أن تعلموا أنى أحب أن أنسى فترة هذا الأكل وأن أمحوها من تاريخ حياتى الحافل بالتضحيات فى سبيل من لا يستحقون شيئا.. ولكنى هكذا دائما.. كريم مفضال، وجزائى من الناس بل ممن يمرحون فى أبراد نعمتى الجحود والكفران. ما علينا أيضا.
وقلت لروكسى: تعال يا صاحبى، فإن هذا بلد لا يستحق أن يتشرف بوجودنا فيه، فلنرجع إلى بيتنا فى مصر.. وقد كنت أسلمت السيارة إليه وهى سليمة لا شىء بها، ويشهد شريكه فى المؤامرة أنها أنقذتهما، ولكنى حين أردت أن أدير محركها أبى أن يتحرك.. ولا أطيل. قضيت نصف ساعة فى هذا البرد حتى استطعت أن أقنعها بالحركة والعودة إلى دفء البيت.
وكانت السيارة كأنما ركبها قبلى ألف عفريت، ولكنى صبرت وقلت عوضى على الله، وهذا جزاء من يكون له أخ كهذا ونسيت كهذا.. وأظن أن الفجر بدأ يطلع حينما بلغنا شبرا، فتنهدت وتمهلت فى السير وإذا بشرطى يستوقفنى، فوقفت فدار حتى صار إلى جانبى، وقال وهو ينقر على الزجاج: «تفضل معى إلى الكركون».
فقلت: «الكركون»؟، قال: «نعم، تفضل انزل».
فقلت «ولكن لماذا؟ ماذا صنعت؟ إنى لم أكن مسرعا بل كنت أسير بسرعة خمسة أمتار فى اليوم والليلة».
فقال بلهجة جافية: «انزل ولا تحوجنى أن أجرك بالقوة».
अज्ञात पृष्ठ