रास्ते में
في الطريق
शैलियों
الإهداء
1 - التدريب الأول
2 - الدكان
3 - الكآبة
4 - العقد الضائع
5 - الجارة
6 - البحث عن الذهب
7 - تفيدة
8 - الهارب
9 - النسيان
अज्ञात पृष्ठ
10 - فتاة الحارة
11 - فى رأس السنة
12 - الذى يضحك أخيرا يضحك كثيرا
13 - عقاب اللص
14 - ثمن سيجارة
15 - الببغاء والقط
16 - السيارة المسروقة
17 - ميمى
18 - ليلى
19 - حواء والحية
अज्ञात पृष्ठ
20 - العقلة
الإهداء
1 - التدريب الأول
2 - الدكان
3 - الكآبة
4 - العقد الضائع
5 - الجارة
6 - البحث عن الذهب
7 - تفيدة
8 - الهارب
अज्ञात पृष्ठ
9 - النسيان
10 - فتاة الحارة
11 - فى رأس السنة
12 - الذى يضحك أخيرا يضحك كثيرا
13 - عقاب اللص
14 - ثمن سيجارة
15 - الببغاء والقط
16 - السيارة المسروقة
17 - ميمى
18 - ليلى
अज्ञात पृष्ठ
19 - حواء والحية
20 - العقلة
في الطريق
في الطريق
تأليف
إبراهيم عبد القادر المازنى
الإهداء
بقلم إبراهيم عبد القادر المازنى
إلى «حياة»
في بعض الأحيان أكون جالسا إلى مكتبى قبل طلوع الشمس، وأمامى الآلة الكاتبة أدق عليها وأرمى بورقة إثر ورقة، وإلى جانبى فنجان القهوة أرشف منه وأذهل عنه، فأحس راحتيك الصغيرتين على كتفى فأدير وجهى إليك، وأرفع عينى لأصبح على بستان وجهك، وأستمد من ابتسامة عينيك النجلاوين، وافترار ثغرك النضيد ما أفتقر إليه من الجلد والشجاعة، وأدفع يدى فأطوقك بذراعى، وأضمك إلى صدرى، وألثم خدك الصابح، وأمسح على شعرك الأثيث المرسل على ظهرك وجانب محياك الوضىء، وأتملى بحسنك وأنشر فى كهف صدرى المظلم نور البشر والطلاقة، فتدفعين ذراعك الغضة وتتناولين ببنانك الدقيقة ورقة مما كتبت، وترفعينها أمام عينيك، وتزوين ما بينهما، وتتخذين هيئة الجد الصارم، وتفيضين على نفسك السمحة العطوف، وأنت مضطجعة على ذراعى، سمتا وأبهة يغريان بالابتسام، وأنا أنظر إليك وفى قلبى سكينة، وجوى من قربك معطر بمثل أنفاس الروضة الآنف فى البكرة الندية. وألمح شفتيك الرقيقتين تختلجان وعينيك تلمعان، فتطيب نفسى بسرورك الصامت، ثم أسمع ضحكتك الفضية، وأراك تغطين وجهك الحلو بالورقة فيستطيرنى الفرح ويستخفنى الجذل، ولكنى أتظاهر بالخوف على الورقة التى لا قيمة لها أن يمزقها أنفك الجميل فترمين رأسك على ذراعي وينسدل شعرك الذهبى المتموج كالستار، وتصافح سمعى من ضحكاتك العذبة موجات لينة. ثم تعتدلين على ساقى، وتدفعين ذراعيك فتطوقين بهما عنقى، وتجذبين وجهى إليك، ولكنك تشفقين على رقة شفتيك من خشونة خدى فتلثمين أذنى الطويلة - وتعضينها أيضا - فأصرخ، فتثبين إلى قدميك خفيفة مرحة، وتخرجين بعد أن خلفت فى صدرى انشراحا، وفى قلبى رضى، وفى روحى خفة، وفى نفسى شفوفا، وفى عقلى قوة، وفى أملى بسطة واتساعا، وفى خيالي نشاطا، فأضطجع مرتاحا وأغمض عينى القريرة بحبك ثم أفتحها على: «صيد حرمناه على إغراقنا
अज्ञात पृष्ठ
فى النزع - والحرمان فى الإغراق»
أى والله، لولا الإغراق ما كان الحرمان. وهل هو إلا الشعور به من الإسراف فى الرغبة واللجاجة فى الطلب؟
بل أفتح العين على جثة صغيرة حملتها بيدى هاتين إلى قبرها، وأنزلتها فيه، ووسدتها التراب بعد أن سويته لها بكفى، ورفعت من بينه الحصى الدقاق ثم انكفأت إلى بيتى جامد العين وعلى شفتى ابتسامة متكلفة وفى فمى يدور قول ابن الرومى: «لم يخلق الدمع لامرئ عبثا
الله أدرى بلوعة الحزن»
وتدخل على زوجتى لتحيينى تحية الصباح، فأتلقاها بالبشر والبشاشة، وأهم بأن أحدثها بما كبر فى وهمى قبل لحظة، ولكنى أزجر نفسى وأردها عن التعزى باللغط. ولو أنى شرعت أحدثها بشىء من ذلك لما فرغت، فما أخلو بنفسى قط إلا رأيتنى أستطيب أن أتخيل فتاتى على كل صورة وكل هيئة وفى كل حالة من حالات الطيش والحكمة، والغضب والسرور، والسخط والرضى، والضحك والبكاء، والعشق والسلوان والنفور والإقبال، والحركة والسكون، واللعب، والنط، والقفز، والسباحة ... ويحلو لى أن أنشئ بينى وبينها أحاديث فى كل موضوع من جد وهزل، ويسرنى أن أسمع نكتها، وأرانى أستملح فكاهتها - وأنتحلها فيما أكتب - وأضحك أحيانا بصوت عال، بل أقهقه غير محتشم، فإذا تعجب لى داخل متطفل على فى هذه الخلوة المحببة إلى نفسى رفعت له وجها كالدرهم المسيح، وهربت بالتباله من الجواب الذى يطلبه بعينه أو لسانه، وتركته يظن بعقلى ما يشاء. وماذا أقول له؟ فى وسعى أن أكذب، فما لباب الكذب مفتاح، ولكن الكذب ينغص على المتعة التى استفدتها من الحوار الذى كان يدور بينى وبين «حياة». •••
وأنت يا «حياة» الجديدة بديل من «حياة» التى فقدتها، لا.. لست بديلا، ولا أنت عوض عنها، ولا أحسبك يرضيك أن تكونى عوضا عما لا يؤاتى. وتلك قد ربيتها صغيرة ودللتها وهى رضيعة بيدى هاتين اللتين أتناول بهما خديك، ولاعبتها وأركبتها ظهرى، وقطعت بها فراسخ طويلة فى الغرفة الضيقة، وسقيتها الماء ورأيتها تمص ثدى أمها وهى ذاهلة عن الدنيا وما فيها - وما هو كائن وما عسى أن يكون - ونحن ننظر إليها مسرورين مستغربين مفتونين بهيئتها، وهى مقبلة على الثدى، ويدها الدقيقة على الثندوة، وأصابعها تتحرك فى لطف وعلى مهل، مستظرفين شفتها المثنية على سواد الثدى حول الحلمة وهى مكبة على الرضاعة.
ولكن فيك مشابه منها. وأنا أغالط نفسى وأزعم أنها لو كتب لها البقاء لما عدتك. ولست تجلسين على ساقي فى الصباح الباكر - كما تفعل تلك فيما أتخيل - ولكنك تقرأين ما أكتب - بعد أن ينشر - وأراك يسرك أن تسكنى إلى، سكون الطائر إلى وكره.
وهل هذا كل شىء؟ لا آدرى.. وأظن - بل أنا واثق - أنك تفهمين ما أعنى حين أقول إنك فصل من كتاب حياة.
وهل أحتاج أن أقول أن اسمكما ليس «حياة».
الفصل الأول
अज्ञात पृष्ठ
التدريب الأول
«ألا تنوى أن تعلمنى قيادة السيارة»؟
قلت: «إنى أنوى أن أعلمك أشياء كثيرة.. فى أوانها».
قالت: «مثل..»؟ وأمالت رأسها الصغير وألقت إلى ابتسامة - أعوذ بالله من سحرها.
فبلعت ريقى، وقلت: «أوووه.. أشياء كثيرة كما قلت: مثل الرقة واللطف واللين وحسن المواتاة ... أشياء كثيرة».
قالت وعلى فمها - وفى عينيها - ابتسامة المتسامح: «ألا ترانى لطيفة؟..».
قلت: «عفوا.. إنما أعنى أن هذه المسائل نسبية، فقد تكونين فى الواقع ألطف فتاة تزين هذه الكرة الأرضية بوجودها.. وقد أكون أنا لا أحس ذلك ولا أعرفه، لبلادة في أو.. جهل.. أو..».
فأشارت بكفها وقالت: «يكفى.. سأحاول أن أكون لطيفة معك، فكن لطيفا وقل لى متى يكون الدرس الأول؟».
قلت: «الآن.. تعالى.. ضعى هذا المعطف على كتفيك».
فأولتنى ظهرها لأضع عليه المعطف، وكانت تنظر إلى وأنا أفعل ذلك ببطء.
अज्ञात पृष्ठ
وانحدرنا إلى الطريق وركبنا، فقالت وأنا أهم بالمسير: «ألا تلبس المعطف؟ إن الجو بارد».
فهززت رأسى وقلت: «كلا.. سأتصبب عرقا بعد دقائق - بل ثوان - من ابتداء الدرس الأول، ولكنك تعرفيننى.. لا أهرب من الواجبات مهما كلفتنى».
وقالت: «هل هذا واجب شاق»؟
قلت: «سترين»... ولم أزد.
ووقفنا فى مكان خلوى رحيب لا خوف فيه من أن ندوس طفلا أو نصطدم بشىء، فقلت لها بلهجة الجد: «اسمعى من فضلك.. الآن يبدأ الدرس، التدريب الأول.. فاذكرى دائما أن هذا درس وليس بلعب.. اسمعى الكلام وافهميه واعملى به ولا تحوجينى إلى شد شعرك أو قرص أذنك أو خدك».
وكانت تبتسم حينما شرعت أتكلم، فلما رأتنى جادا لا أضحك ولا يبدو على أنى أمزح، صارت الابتسامة كنور القمر المرتعش على صفحة الغدير الصافى، فرق لها قلبى، ولكنى تحاملت على نفسى وغالبتها وحدثتها - أعنى نفسى - بأن كل شىء خليق أن يفسد إذا لم أظهر الجد.
وقالت بضعف: «إنى مصغية».
قلت: «هذا حسن.. ابتداء طيب.. والآن، ادنى منى.. التصقى بى».
قالت: «لماذا»؟
قلت: «لتتناولى العجلة وتتدربى على إدارتها بالضبط والإحكام الواجبين».
अज्ञात पृष्ठ
فحاولت أن تتناولها من غير أن تلقى بجسمها على صدرى، وكان هذا متعذرا. وأدركت أنها مترددة، فقلت: «بالطبع ستزهق روحى وتتقصف أضلاعى وتحتبس أنفاسى.. ولكن هذا لا مفر من احتماله».
قالت: «صحيح»؟
فخفت أن تدفعها الرقة والإشفاق على، إلى إيثار العدول فقلت: «إن فى قولى هذا بعض المبالغة ولا شك، ولكنى أعنى أنه إذا كان لأحد منا أن يتردد أو يخشى شيئا.. فإنى أنا الخليق بذلك».
فظنت أنى غضبت أو أن ترددها جرح إحساسى وآلمنى، فقالت: «إنى آسفة».
فابتسمت لها صافحا عنها.. وقلت: «تفضلى..» وتناولت كفيها فوضعتهما على العجلة وأنا أسأل الله أن يلهمنى القوة ويرزقنى القدرة على مقاومة هذا الإغراء. وصار كتفها على صدرى، وشعرها على وجهى، وأرجه فى أنفى، وصفحة خدها الغض المشرق تحت عينى.. فلو مططت بوزى قليلا للمسته شفتاى. وسرنا خطوات ترنحت فيها السيارة كأنها سكرى، وأحسب أن لها - أعنى للسيارة - عذرها.. فما لمست عجلتها كف كهذه، رخصة بضة دقيقة.. وكنت أنظر إليها، فأشعر أنى أوشك أن أرتد إلى عصور الاستيحاش، وأحس أنى أريد أن آكلها لفرط حلاوتها، ولم أكن أحس - وهى على صدرى - أن فى بدنها عظاما من فرط الرقة والطراوة. وكان شعرها يدير رأسى ويسكرنى بعطره الطبيعى. وكانت يدى اليمنى على كتفها، فكنت بجهد أردها عن ضمها إلى.
وقلت لها - وقد وقفنا قليلا لنستريح، فقد كانت جلستها متعبة: «لن تستطيعى أن تختفى عنى بعد اليوم كما فعلت من قبل»
قالت: «كيف؟ ماذا تعنى»؟
قلت: «لا أظنك تعرفين ما أعنى، فمن حقك أن تسألى وتعجبى.. لقد انتقلت فجأة من بيتك فأصبحت يوما فإذا أنت غير موجودة حيث ألفت أن أراك.. لا أدرى كيف تسنى لك أن تنتقلى من بيت إلى بيت من غير أن أشعر بذلك ونحن جاران متقابلان.. ولكنك نجحت.. غافلتنى واختفيت».
فقالت: «على فكرة.. كيف اهتديت إلى البيت الجديد»؟
قلت: «أوه.. هذه حكاية طويلة.. رأيت أخاك فتبعته من حيث لا يشعر.. لو كنت شممت شعرك كما شممته اليوم.. لما احتجت إلى أخيك أو غيره».
अज्ञात पृष्ठ
فضحكت وقالت: «لم أكن أحسب أنك..» وأمسكت.
فقلت: «قوليها.. ولا تخشى أن تسيئى إلى. نعم، إن فى بعض خصائص الكلاب.. ومن يدرى، لعل الله كان يريد فى أول الأمر أن يخلق من طينتى كلبا ثم بدا له أن هذه الطينة لا تليق بكلب فصنع منها هذا الإنسان الذى يجلس إلى جانبك. ومن هنا بقيت لى حاسة الشم فى الكلاب، ولكن قوتها فى شىء واحد.. ما شممت شعرا إلا بقيت رائحته فى أنفى.. ولو أنك وقفت بين عشرين فتاة وعصبت لى عيناى لاستطعت أن أهتدى إليك وأخرجك من بينهن بأنفى.. بمجرد شم الشعور».
فدهشت وقالت: «هل تتكلم جادا؟»
قلت: «فى وسعك أن تجربى. هاتى عشرين فتاة.. وأرسلى لهن شعورهن وقفى بينهن وضعى على عينى ما شئت.. ودعينى أشمكن. نعم، فى من الكلب هذا.. وليت لى منه مزاياه الأخرى.. بل ليتنى كنت كلبك على الخصوص».
فضحكت وقالت: «ولماذا؟ لا تخف أن تتكلم فإن حديثك لذيذ».
قلت: «أشكرك.. لو كنت كلبك لكان من حقى المعترف به مثلا أن أقعد بين يديك فى حيث تكونين. لا أحرم ذلك ولا يستطيع أحد أن يقصينى عنك، ولو حاول أحد ذلك لعضضته ومزقت ثيابه ولحمه ولأدبته.. نعم.. ولكان من حقى أن أضع رجلى على.. على.. فى حجرك.. وألحس لك وجهك كلما شئت ذلك وأشتهيته.. معذرة فإن الكلب لا يحسن التقبيل.. وهذا هو البديل عنده من القبل.. ولو كنت كلبك يا فتاتى الجميلة لكنت حارسك الأمين، وفارسك الذى لا يقصر ولا يغفل ولا يسهو.. ولو كنت كلبك لكان من حقى على الأرجح - فإنك رقيقة القلب - أن أنام على سريرك..».
فصرخت ووضعت راحتها على فمى فضحكت، وقلت: «لا تخافى فإنى لم أصر كلبا مع الأسف.. أبى الحظ هذه النعمة على المسكين الذى هو أنا».
واستأنفنا الدرس وعدنا إلى التدريب، وأقبلنا على ذلك بعزم لا يفتر وإرادة لا تلين أو تضعف، ثم وقفنا وأراحت يديها وتنهدت وقالت: «تعبت».
قلت: «إنى آسف.. استريحى».
فسألتنى: «هل تعبت أنت أيضا»؟
अज्ञात पृष्ठ
قلت: «كلا.. إنما تعبت من التفكير».
قالت: «فى أى شىء كنت تفكر»؟
قلت: «هل تصدقيننى إذا أخبرتك»؟
قالت: «لم لا أصدق؟ هل هو شىء غريب جدا»؟
قلت: «نعم.. جدا.. لقد كنت - وأنت على صدرى - أشتهى أن أمرغ نفسى فى هذه الرمال وأن أعوى كالكلب».
فضحكت حتى ترقرق الدمع فى عينيها، وقالت بعد أن وجدت لسانها: «ولكن لماذا؟.. إن هذا شىء غريب».
قلت: «لا غرابة على الإطلاق.. ألم أقل لك: إن فى من الكلب خصائص.. اشتهيت أن أفعل ذلك عسى أن تصنعى معى ما كان يمكن أن تصنعى مع كلبك.. تحمليننى بين يديك.. عل ذراعيك.. وتدنين فمك الدقيق من وجهى وتقبليننى فألاعبك وأضع يدى على كتفك وأنظر فى عينيك وأمسح خدى بخدك.. على فكرة.. وقبل أن أنسى».
فتركت الضحك، وأقبلت على تسألنى: «نعم..».
قلت: «هل تستطيعين أن تخبرينى أو تبينى لى كيف يسعك أن تأكلى»؟
فاستغربت، وقالت: «لست أفهم.. لماذا تظن أنى لا أستطيع أن آكل»؟
अज्ञात पृष्ठ
قلت، وأنا أضحك: «هل تسمين هذا فما؟ أنه أدق من أن يتسع لأصغر لقمة .. يصلح أن يكون قرنفلة أو ما يشبه ذلك».
فقاطعتنى، وقالت: «والآن اسكت قليلا.. لقد دار رأسى.. لماذا تتكلم هكذا»؟
فهممت بأن أقول شيئا ولكنها أراحت كفها على شفتى فلثمتها، فابتسمت وقالت: «لقد كنت أفكر فى جزاء لما علمتنى وقلت لى لتملأنى غرورا.. ولكنك أفسدت كل شىء.. أخذت جزاءك بنفسك».
قلت: «لا.. لا.. لا.. نمسح القبلة».
قالت: «كيف يمكن»؟
قلت: «هكذا.. بشفتى».
فأطرقت قليلا، ثم رفعت رأسها وقالت: «لو سألتك عما تحب أن يكون جزاؤك منى، ماذا كنت عسى أن تطلب؟ أفهم أن هذه مسألة نظرية بحت».
قلت: «الجواب حاضر.. وما أظن بك ألا أنك تعرفينه.. وهل هو ألا أن تعدينى كلبا لك»؟
قالت: «هذا سهل».
فصحت مسرورا وأنا لا أكاد أصدق: «إيه»؟!
अज्ञात पृष्ठ
قالت: «لا تتعجل.. على مهلك.. لا تنس أن كلامنا كله نظرى».
فارتددت وتنهدت أسفا محزونا، فقالت وهى تربت لى على كتفى: «لا تحزن يا كلبى العزيز.. أنت كلبى.. ألم تقل ذلك»؟
قلت: «نعم.. ولكن الكلب له مزايا.. لا تنسى ذلك».
قالت: «يحسن أن تتدرب عليها التدريب الأول..».
فقاطعتها وصحت بها: «لا.. لا.. إنى طول عمرى كلب متدرب من زمان.. كلب عتيق.. والله».
وضحكنا ...
وافترقنا على موعد للتدريب الثانى.
الفصل الثاني
الدكان
وقفت «جليلة» لا تدرى ماذا تصنع، فقد انغزرت إحدى العجلتين الخلفيتين فى الرمل وأبت أن تخرج منه.. وعجز المحرك عن جذبها، بل كانت العجلة تزداد غوصا كلما حاولت نزعها. وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب ولم يبد أحد فى الأفق، وكان الكشك الذى وقفت عنده منذ لحظة تشرب «الكازوزة» يبعد مسافة كيلو ونصف أو اثنين، فليتها ما جاوزته إلى هذا المكان القفر.. ولكنها أرادت أن ترى الطيارة الشراعية من مكان قريب والأرض بعد «الكشك» غير ممهدة. ولكن عناء السير فيها محتمل ولا خوف من الغوص. وقد طوفت من قبل فى أرجاء هذا الفضاء الرحيب. فهى تعرف صلابة الأرض ولا تخشى رخاوتها، غير أن الحظ خانها فى هذه المرة.. فما كادت تقف بالسيارة وتنأى عنها قليلا ثم ترجع ، حتى ألفت العجلة قد غاب نصفها فى الرمال الخائنة. وكان تلاميذ الطيران الشراعى بعيدين عنها بعد «الكشك»، فهل تترك السيارة وتعود أدراجها إلى الكشك تلتمس من صاحبه المعونة، وتسأله أن يدعو إلى نجدتها بعض خفرائه؟.. لم يبق من هذا مفر على ما يظهر، وإلا صار خطبها أدهى بعد الغروب. وصح عزمها على ذلك، فأقبلت على السيارة تريد أن تأخذ منها حقيبتها وقبعتها وإذا بصوت يقول لها: «اسمحى لى..».
अज्ञात पृष्ठ
فالتفتت مذعورة.. فما سمعت وقع قدميه وهو مقبل عليها ولا رأته، وإن كانت قد دارت بعينها فى المكان ونفضته قبل أن تنوى الرجوع إلى «الكشك». ولم يسألها الرجل شيئا ولم ينظر إليها بل انطرح على الرمل بثيابه الأنيقة بعد أن ألقى طربوشه فى السيارة، وراح يجرف الرمل بيده من خلف العجلة وقدامها.. ولما فرغ من ذلك ووسع للعجلة نهض ومشى مطرقا ينظر إلى الأرض كأنما يبحث عن شىء، ثم انحنى وتناول حجرا كبيرا ولوحا من «الصاج» وعاد بهما فوضع الحجر خلف العجلة واللوح أمامها وتحتها، ليكون دورانها عليه لا على الرمل. ثم نهض مرة أخرى، وقال: «أظن هذا يكفى.. فلنجرب على كل حال».
فقالت: «أشكرك.. لا أدرى ماذا كنت أصنع لو لم تنجدنى»؟
فأشار بيده، وقال: «أجلى الشكر حتى أستحقه.. إن العجلة المسكينة لا تزال غائصة، فلننقذها أولا».
ومضى إلى آخر السيارة، وقال: «أديرى المحرك وسيرى بها، وسأدفعها من الخلف».
ففعلت وخرجت السيارة ثم وقفت على مسافة أمتار، ونزلت منها جليلة متهللة الوجه فصاح بها: «لماذا وقفت.. هل حدث شىء»؟
قالت: «لا.. إنما جئت لأشكرك».
ففرك يديه ومد يمناه إليها، وقال: «آه صحيح.. صار الشكر الآن واجبا. أليس كذلك»؟
فضحكت وسرها منه أنه لا يبدو عليه أنه يريد شكرا، وأنه كان ينتظر منها أن تمضى عنه بلا كلام.
وقالت، وهى تبتسم له فى عينيه: «ألا تريد أن أشكرك»؟
فقال وهو ينفض الرمل عن ثيابه: «كلا.. إنه دين قديم أؤديه.. بعضه على الأقل».
अज्ञात पृष्ठ
فغاضت الابتسامة، وقالت مستغربة: «دين؟ لى أنا؟ ولكنى لا أذكر أنى أعرفك.. لا مؤاخذة».
قال: «صدقينى حين أقول لك: إنه يسرنى أن أراك ناسية.. إنها ذكرى خليقة ألا تثير فى نفسك إلا الامتعاض والنفور بل المقت.. فالحمد لله».
فدنت منه مقدار خطوة، وقالت: «ولكن أرجو أن تريحنى.. هل تعرفنى»؟
قال: «أعرفك؟ أظن ذلك.. وإن كنت لا أكتمك أنى نسيت اسمك. انتظرى.. ورفع كفه الكبيرة الغليظة إلى جبينه.. اسمك يا ستى.. غريب أن تبقى الصورة كل هذه الأعوام ويذهب الاسم.. أوه.. جما.. جميلة.. وجدته.. وجدته.. جليلة.. أليس كذلك»؟
فصاحت: «نعم.. نعم.. ولكنى آسفة لأنى لا أذكرك أبدا.. لا صورتك، ولا اسمك».
فقال بابتسام: «انهما جديران منك بالنسيان».
فألحت عليه أن يذكر لها اسمه، فقال: «هذا لغز سأترك لك حله وأنت عائدة».
فابتسمت، وقالت: «ألا تخشى أن أشغل به عن الطريق وما فيه فتحدث لى حادثة»؟
فقال: «صحيح.. صحيح.. إذن لم يبق لى مفر من التضحية. سأخسر ما صرت جديرا به من الشكر، وأسترد سخطك القديم».
فسألته وهى تضحك: «هل كنت فظيعا إلى هذا الحد» فقال: «ستعرفين مبلغ فظاعتى حين تعرفين اسمى.. مراد البارونى».
अज्ञात पृष्ठ
فأطرقت، وقالت على مهل: «مراد.. البارونى.. (وهزت رأسها) كلا.. إن ذاكرتى لا يختلج فيها شىء.. آسفة».
فقال، وهو يضحك: «أما أنا فإن ذكراك يقشعر لها بدنى، فما أستطيع أن أنسى أنك صببت على ماء قربتين من الماء فى الشتاء. سلطت على خرطوم الحديقة وأطلقت على ماءه.. أهذه ذكرى تنسى؟. ألست معذورا إذا ظللت متذكرا»؟
فدنت منه، وقالت بصوت خافت كالهمس: «مراد؟ صحيح..».
فقال: «وكنت ظالمة لى..».
فقالت: «كلا.. لقد تذكرت الآن، فقد وضعت لى دودة ميتة فى قفاى.. الحق أنك كنت فظيعا».
فأشار بيده إشارة المستنكر: «لا.. لا.. هذا كان سوء تفاهم.. أعنى أنى كنت فرغت من اللعب بالدودة، وظننت أنك قد يسرك أن تأخذيها لتلعبى بها.. ولكنى أخطأت فوضعتها لك فى قفاك بدلا من يدك، بل كان الخطأ منك لا منى.. فقد جعلت تجرين خائفة وأنا أجرى وراءك، فلم يسعنى ألا أن أتركها حيث تيسر لى.. فالذنب ذنبك يا جليلة».
فقالت جليلة، وهى تضحك: «أتذكر كيف كنت تصيح بأعلى صوتك كلما رأيتنى.. وكيف كنت تجرى ورائى وتدبدب برجليك كلما أدركتنى فتزيدنى رعبا»؟
فقال: «نعم أذكر ذلك.. أذكر كل شىء.. إنه كل ما بقى لى منك.. لقد كنت أصيح وأدبدب لأخفى عنك حبي لك».
فقالت: «غريب.. أكنت تحبنى؟ لقد كان نجاحك تاما إذن فى إخفاء هذا الحب».
ونظرت إلى وجهه الذى لوحته الشمس وشعره الذى ظهر فيه الشيب هنا وههنا، وأخذت الصورة القديمة تسترد ألوانها وتبرز معالمها شيئا فشيئا، ثم قالت: «لقد كبرت جدا.. طولا وعرضا.. وتغيرت أيضا. من الذى يراك الآن فيذكر ذلك الطفل الشقى الذى كان يسود عيشى ويرعبنى كلما ظهر فجأة من وراء شجرة.. أو من تحت الأرض - فيما كان يخيل إلى ماذا صنعت بنفسك كل هذه السنين»؟
अज्ञात पृष्ठ
فقال: «أوه.. ماذا يصنع الناس بنفوسهم؟ يكبرون ويقعون على عمل يشتغلون به. أنا أيضا وجدت لى عملا.. فى تجارة رابحة والحمد لله.. وأنت»؟
قالت: «أوه.. كبرت مثلك».
فقاطعها وقال: «كلا.. إنك لم تتغيرى.. لو كان هنا دود لما خطر لى وأنا أنظر إليك إلا أننا ما زلنا طفلين، ولهممت بأن أضع لك واحدة فى قفاك».
فضحكت وقالت: «لقد صرت مهذبا جدا.. لم يبق شىء من ذلك الطفل اللعين.. غريب أن نلتقى هنا هكذا بعد كل هذه السنين.. ماذا كنت تصنع؟ أعنى هنا».
قال: «أتمشى.. للرياضة».
فتنبهت، وقالت: «إذن لا أقل من أن أحملك معى فى السيارة».
وقال وهو يركب معها مسرورا: «ما قولك.. نحتفل بهذا اللقاء الذى لم يكن لى ولا لك فيه حساب، بالعشاء نتناوله فى محل الحاتى.. هه»؟
فابتسمت لنفسها فى مرآة السيارة وأصلحت شعرها الذى عبث به النسيم، ثم التفتت إليه وهزت رأسها أن نعم.. ثم انطلقت تخطف بسيارتها الأرض.
ولم يكن في جليلة خفة أو طيش، ولكنها كانت فتاة وحيدة مدللة.. ورثت عن أبيها قسوة القلب واستقلال الطبع، وعن أمها سرعة الاستجابة لدواعي الخير. وقد مات أبوها قبل سنوات، فلم يبق لأمها سواها ولم تهمل تربيتها.. ولكنها كان ينقصها حزم زوجها وحكمته، فألقت لها الحبل على الغارب وهى تحسب أنها لا تعدو ما كان يصنع أبوها. على أن الفتاة لم يكن فيها سوء ولم تثمر الحرية شرا، وإنما أكدت استقلالها وأورثتها تمردا صريحا على كل قيد من القيود التي يفرضها العرف حتى على الفتاة الحديثة. وكانت أمها وبعض أهلها يشق عليهم ذلك أحيانا، فتقول لهم إنى لا أفعل سوءا، ولا أسىء أدبى، ولا أتوقح على أحد، ولا قيمة لخروجى وحدى، أو مرافقة أصحابى وصواحبى إلى السينما أو غيرها.. فكانت أمها تسكت ولا تقول شيئا لعلمها أن الكلام لا خير فيه.
ولم تكن جليلة بارعة الحسن، ولكن صوتها كانت له حلاوة التغريد.. وكانت نظرتها الحالمة تفعل فعلين يبدوان متناقضين: تنعش القلب وتفتر الجسم، فإذا أدامت إليك كرة الطرف - على عادتها إذا سرها منك عمل أو قول - شاع الرضى فى نفسك وفاضت بالسرور، ودار رأسك، وأحسست بالخدر فى أعصابك. وكانت أقرب إلى القصر منها إلى الطول، وإلى الامتلاء منها إلى النحافة والهزال، وقد حمتها كثرة الحركة والولع بالمشى فى الهواء الطلق، وفطام النفس عن الأطعمة الدسمة الثقيلة، أن تصبح كأمها أكداسا من اللحم تلح على روحها. وكانت سمراء، ولكن سمرتها مشربة حمرة لا كدرة فيها ولا نمش. وكان شعرها جعدا وأثيثا.. وكانت تفرقه وترسله إلى الوراء وتعقصه وتأبى أن تقصه. كانت أنيقة بلا تكلف، ولم تكن رقيقة الحال أو مضطرة إلى حسن التدبير والاقتصاد. فقد ترك لها أبوها الحازم ثروة كافية، ولكنها كانت تؤثر أن تصنع ثيابها بيديها، فتجىء محبوكة التفصيل على قدها الجميل يبرز من تحتها ثدياها الناهدان الراسخان كالرمانتين الصغيرتين. وكانت مجدولة الساقين لا عظيمة العضلة ولا مضطربتها ولا عرقوب لها. وجمال الساق فى المرأة يشير بحسن القوام.. وكانت تكره الأحذية العالية الكعوب نفورا من بروز الفخدين. على أن هذا كله ما أكثر من يشاركنها فيه، ولو اقتصر الأمر على التكوين المادى لما كانت لها مزيه تنفرد بها، ولكن أنوثتها كانت قوية الجذب شديدة الإغراء.. فلولا استقلالها وشخصيتها لما استطاعت أن تنجو من المعاطب. •••
अज्ञात पृष्ठ
وقال مراد وهو عاكف على البيان الذى قدمه إليه الخادم: «معذرة، فإنى أتضور جوعا.. لم آكل فى نهارى شيئا. ماذا تريدين.. كباب.. لحم رأس.. حمام؟ إنى أرى الحاتى عنده كل ما يؤكل.. لا الكباب وحده.. ما قولك»؟
فآثرت الكباب، وقالت: «إن هذا فنه الذى يمتاز به، فيحسن أن أقتصر عليه».
وكانا جالسين فى آخر القاعة ووجهها هى إلى الباب ووجهه إلى الناس. وشغلا برهة بالأكل وذكريات الطفولة، فقال لها وهو يضطجع: «أتذكرين يوم تحديتك أن تتسلقى النخلة؟ (فهزت رأسها) لقد كنت لا تطيقين التحدى.. فهل أنت ما زلت كذلك»؟
فوضعت الشوكة على الطبق، ونظرت إليه وسألته: «ماذا تعنى»؟
قال بابتسام: «أعنى أن وراءك.. بعد مائدتين اثنتين.. رجلين أحدهما يحدق فى ظهرك، لا يخالجنى شك فى أنك تحسين وقع نظراته على جسمك.. إنها نظرة حامية.. كاوية.. انتظرى قليلا وسأدعو الخادم ليجيئنا بالقهوة، فأديرى وجهك حين يقبل وانظرى».
ففعلت ثم اعتدلت فى جلستها وقد علا وجهها الاصفرار، فأكب مراد على بقية الفاكهة وتشاغل بها عما رأى فى وجهها من دلائل التغير. ولم تفت جليلة هذه الكياسة منه، ووقع من نفسها اتقاؤه الفضول.. فتماسكت وضبطت صوتها وهى تقول: «لقد تغيرت جدا.. من كان يظن أن ذلك الطفل الخبيث الذى كان يتعقبنى وينغص حياتى يصبح هذا الرجل الوديع الظريف الكيس؟ أتعرف من هذا يا مراد الذى يكوينى بنظراته؟ إنه خطيبى زكى.. أفهمت الآن»؟
فقال بهدوء وبصوت متزن النبرات: «خطيبك زكى؟ هذه أخبار.. أظن أن من واجبى أن أقدم لك التهنئات».
ولكنها أحست من نبرات صوته على الرغم من اتزانها أن هذا الخبر لم يسره، فقالت: «لا داعى للعجلة.. ثم إن الزواج مسألة عادية جدا على كل حال.. أو كما يمكن أن تقول أنت.. هو شر يصيب كل إنسان.. عاجلا أو آجلا.. متى يصيبك يا مراد»؟
فقال: «أنا؟.. لا أدرى.. صاحبك.. أعنى خطيبك لا يزال محملقا فى ظهرك. فهل تستطيعين أن تنهضى وتذهبى إليه وتقولى له بكل هدوء إن لك حقا فى أن تتناولى العشاء مع صديق قديم مثلى وضع فى طفولته دودة فى ظهرك وصببت عليه عشرين قربة من الماء فى الشتاء»؟
فقالت ببساطة: «إنى أحب زكى.. وأنت لا تعرفه.. بالطبع ليس فى كونى معك هنا ما ينبغى أن يسوءه، ولكنه لا يعرف أنك هذا الصديق القديم.. كل ما يعرفه أنه خطيبى.. وإنى - كما قال مرارا - طائشة.. مندفعة».
अज्ञात पृष्ठ
قال مراد: «اشربى القهوة.. لا تفسدى على نفسك الليلة.. ستشرحين له كل شىء، فيعود حملا وديعا ويعتذر إليك من هذه النظرات الحامية».
فشربت القهوة، ولكنها كانت ساهمة.. فقد كانت تحب «زكى» هذا، وكانت تكره الاضطرار إلى الشرح وتستثقل أن تحتاج حتى إلى ما يشبه الإعتذار.
وقال مراد: «لقد قام الرجلان.. خطيبك وصاحبه».
فقالت: «يحسن أن نقوم إذن.. فسيودع صاحبه ولا شك ويقف فى انتظارى.. أشكرك يا مراد.. نبهتنى إلى أنه خرج فلألحق به».
وخرجا.. وودعها مراد بعد أن عرفت منه عنوانه، وعرف منها عنوانها، وألح عليها أن تتصل به إذا جد أمر من جراء لقائهما الليلة. •••
وقالت جليلة لزكى: «معى سيارتى، فلا حاجة إلى تاكسى».
فدخل فى السيارة واضطجع.. ثم قال: «من هذا الرجل الذى كان معك؟».
فقصت عليه وما وقع لها عند المطار، فقاطعها وقال: «كيف تكلمين رجلا غريبا؟ إن هذا كثير..».
قالت: «ولكنه ليس غريبا.. لقد نشأنا معا.. فى حى واحد».
فنفخ وقال: «ولكنك لم تكونى تعرفين أنه هو صديق طفولتك».
अज्ञात पृष्ठ
فقالت بلهجة المستغرب: «هل كنت تريد أن أتقبل معونته ولا أشكره على الأقل»؟
فترك هذا وقال: «ولماذا تخرجين إلى هذا المكان وحدك»؟
قالت: «لأنك مشغول عنى بأعمالك الكثيرة التى لا تدع لك وقتا لمرافقتى.. ومع ذلك أى بأس هناك»؟
قال: «بأس؟ بأس؟ هذا الذى حدث لك من غوص العجلة أليس بأسا»؟
قالت: «لا تكن متعنتا.. إن السيارات يمكن أن يحصل له أى شىء فى أى مكان فى الدنيا». فترك هذا أيضا وقال: «ولكن تأتين معه إلى الحاتى.. ماذا يقول الناس»؟
فقالت: «إذا كان الحاتى مكانا لا يليق أن يدخله الشريف..».
فقاطعها بسرعة، وقال: «لست أقول هذا.. الأمر على العكس».
قالت: «اذن انتهينا».
فسكت، فما رأى حجة له تنهض. وساءه ذلك فقد كان شديد الاعتداد بنفسه، وكان عظيم الطموح واسع الأمل فى المنازل الملحوظة.. فلم يسره أن الفتاة التى سيتزوجها تقرع حجته بأقوى منها، وأحس أن فى هذا تنقصا له وغضا من مقامه وسقوطا لهيبته، ولكن الكلام خانه فآثر السكوت على مضض.
وكان زكى - أو إذا أردت اسمه كله زكى الدين حمد - من أصل تركى أو شركسى - سيان - وكان يطمع أن يبلغ بماله الموروث حيث لم يستطع أن يبلغ بالكفاية الشخصية. وكان أمله الذى لا ينفك يحلم به فى اليقظة والمنام أن يصبح يوما من أعضاء البرلمان، ومن أجل هذا كان يتقرب إلى الزعماء السياسيين بوسائل شتى.. وكان يعنيه جدا أن يحسن رأيهم فيه وظنهم به ... وكان يحرص على المركز المأمول، ويحيط نفسه سلفا بكل مظاهر الأبهة والسمت والوقار، وينظر إلى الأمر كله كأنه واقع. وينتظر من الناس أن يعدوه كذلك، بل أن يبالغوا ويروحوا يمدون بصرهم إلى المستقبل، وأن يخالوه كما يتخيل نفسه فيه وزيرا أو رئيس وزارة.
अज्ञात पृष्ठ