والشيخ ابن عبد السلام وإن كان من أجلة أئمة الشافعية، إلا أن البلقيني يُعدّ أيضًا من الأساطين الذين جاؤوا بعده، وكان ممن يُعوّل، عليه ويُرجَع إلى أقواله وتحريراته فيما يُعتمد في المذهب الشافعي، ولهذا نرى محققي علماء الشافعية المتأخرين كالشيوخ: زكريا الأنصاري، وابن حجر الهيتمي، والخطيب الشربيني، والشمس الرملي، وأمثالهم، يكثُر عندهم ورود اسم (البلقيني) مقرونًا مع أسماء أعلام آخرين من أهل المذهب، ممن يُعوّل عليهم في معرض الترجيح والتصويب والتحرير والتنقيح للمسائل الخلافية في المذهب.
ولهذا فإن ما يحرّره البلقيني هنا على كلام الشيخ ابن عبد السلام فيما يتعلق بمسائل المذهب الشافعي، له وزنه وقيمته بالنظر إلى ما ذُكر من مكانة البلقيني في المذهب.
ومما يتصل بهذه الميزة ويعزّزها أن الناسخ (وهو تلميذ البلقيني) يحكي في عدد من المسائل اختيارات شيخه البلقيني، فيقول مثلًا: (اختار شيخنا) أو (مختار شيخنا) وهكذا (١).
ويلمح القارئ في بعض تلك المختارات البلقينية، نظرات مستجادة ولفتات بارعة في فقه النصوص وحِكَمها وأسرارها.
- فمن ذلك مثلًا: أن الشيخ ابن عبد السلام جعل النهي عن بيع الغرر من أجل قاعدة اعتبار الرضا (النص ٥٩٧).
فكتب عليه الناسخ أن اختيار شيخه البلقيني: أن النهي عن بيع الغرر لقطع النزاع، لا لِما ذكره الشيخ ابن عبد السلام من قاعدة اعتبار الرضا.
- وفي (النص ٦٢٣) ذكر الشيخ ابن عبد السلام أن من قدر على استيفاء
_________
(١) ينظر مثلًا النصوص: ٥٠١، ٥١٥، ٥٣٠، ٥٥١، ٥٦٧، ٦٢٦، ٦٣٠، ٦٣٣.
1 / 55