كان أحد بني جشم (^١) بن الخزرج، وَكَانَ قَدْ أصابَ مُلكًا بالشام وشرفًا، فشكى إليه الرمقُ حالَهم، وغلبَةَ اليهودِ عليهم، وما يتخوفَونَ منهم، وإنَّهم يَخْشَوْنَ أَنْ يُخْرجوهم، فَأَقبَلَ أبو جبيلة في جمع كبيرٍ لنصرةِ الأوسِ والخزرجِ، وعاهَدَ اللهَ أن لا يبرح حتى يُخرجَ مَنْ بها من اليهود ويَذلهم، أو يُصيرَهم (^٢) تَحْتَ أيدي الأوس والخزرج، فسارَ (^٣) وأظهَر أَنَّهُ يُريدُ اليمنَ، حتى قَدِمَ المدينة، وهي يومئذٍ يثرب، فَلَقِيَه الأوسُ والخزرجُ، وَأَعْلَمَهم مَا جاءَ بِهِ. فقالوا: إِنْ عَلِمَ القومُ ما تريد، تحصَّنوا في آطامهم فَلَمْ نَقْدِرْ عليهم، ولَكِنْ تدعوهم للِقائِكَ، وتَتَلطفهم حتى يَأْمنوك وَيطْمَئنوا، فتتمكَن مِنهم، فَصَنَع لهم طعامًا، وأَرْسَلَ إلى وجوهِهِم ورؤسائِهم، فَلَمْ يبقَ مِنْ وجوهِهم أحد (^٤) إلا أتاه، وَجَعَلَ الرجلُ منهم يأتي بحامِتِهِ (^٥) وَحَشَمِهِ، رجاء أن يَحْبُوهم الملك، وقد كان بنى لهم حيِّزًا، وجَعَلَ فيه قومًا، وَأَمَرَهم مَنْ دَخَلَ منهم عليهم أن يَقْتُلُوهُ، حتى أَتى على وجوهِهم ورؤسائِهم، فلما فَعَلَ ذلك، عَزّتْ الأوس والخزرج بالمدينة، واتخذوا الديارَ والأموالَ، وانصَرَفَ أبو جبيلة راجعًا إلى الشام، وَتَفَرّقَتْ
_________
(^١) جشم بن الخزرج: من الأنصار، جد جاهلي، من نسله الحباب بن المنذر الأنصاري الجشمي، من الصحابة. الأعلام، للزركلي ٢/ ١٢٠.
وجاء في نسخة (ج): (جشية) بدل (جشم)، وهو خطأ.
(^٢) في (ج) و(د): (يصير) بدل (يصيرهم).
(^٣) في (د): (فساروا) بدل (فسار).
(^٤) في (ج) و(د): (أحدًا)، وهو خطأ، والصحيح المثبت.
(^٥) في (ج) و(د): (بخاصته) بدل (حامته).
1 / 90