ويدخل محمد وراء أبيه، ويجدان الحاجة بمبة في بهو البيت، فيلقي عليها الحاج تحية سريعة، ويدخل إلى الحجرة وهو يقول لمحمد: تعال.
وينظر محمد إلى الحاجة وتنظر إليه وتقول: أنت عملت حاجة؟
وقبل أن يجيب محمد، يعلو صوت الحاج والي مرة أخرى في غضب: تعال.
ويدخل محمد إلى الغرفة، وتهم الحاجة أن تلحق به، ولكن الحاج والي يردها في شيء من اللين: انتظري قليلا أنت يا حاجة.
وترجع الحاجة إلى مكانها من البهو، ويغلق الحاج باب الغرفة بالمفتاح: لماذا لا تكتب في الفصل؟
ويصمت محمد. لقد عرف الآن السر في غضب أبيه، ولكن لات حين معرفة. ويصرخ أبوه في وجهه: انطق.
ويرتعد محمد من هول الموقف. ويعود أبوه يسأله: ولماذا تهمل في واجباتك؟
ولم ينتظر الحاج والي؛ بل إن يده كانت أسرع من إجابة محمد، وانهال على الطفل ضربا. والطفل باهت أمام أبيه تدور عيناه في محجريهما، ويحس شيئا ساخنا يبل فخذيه، ثم تنفجر عيناه بالبكاء، والأب يضرب حتى أصبح لا يريد أن يقف، ويصرخ: ماذا؟! أمجنون أنت؟! ليس لي إلا ابن واحد، ويريد أن يصبح ضائعا تافها.
ويضرب، والفتى يحيط وجهه بذراعيه، والأب يضرب لا يدري أين مواقع ضربه! ويضرب، والطفل يبكي، حتى صرخ الطفل أخيرا بصوت علا على صوت أبيه: كفى يابا ... كفى ...
وكأنما كانت كلمات الطفل القليلة يدا سلطت على قلب الحاج والي فاعتصرته اعتصارا، كانت كلمات بسيطة قليلة ليس فيها اعتذار ولا طلب مغفرة، ولكنها هزت كيانه كله حتى أوشكت الدموع تطفر من عينيه. كفى يابا كفى. لم يقل غيرها، فما له قد زلزل زلزالا؟ وما له قد كف يده وكأنما قبضت عليها يد أخرى قدت من حديد؟! وتنبه إلى طرق زوجته على الباب ففتح لها، ولم تسأله، وإنما أحاطت الطفل بحنانها، وأخذته وخرجت من الغرفة.
अज्ञात पृष्ठ