============================================================
يزل القطر من الصفا: يا واعظ الناس قد أصبحت متهما إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها وقال سيدنا عمر بن الخطاب لمن سأله عن القص والوعظ : "اخش أن تقص فترتفع في نفسك، ثم تقص فترتفع حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا؛ فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة" رواه الإمام أحمد بسند رجاله موثقون . فحق الواعظ أن يتعظ بما يعظا وبصرثم يبصر، ويهتدي ثم يهدى ولا يكون دفترا يفيد ولا يستفيد، ومسنا يشحذ ولا يقطع، بل يكون كالشمس التي تفيد القمر الضوء، ولها من النور أفضل مما تفيده، وكالنار التي تحمي الحديد ولها من الحمي أكثر، ويجب أن لا يجرح مقاله بفعله، ولا يكذب لسانه بحاله؛ فيكون ممن وصفه الله تعالى بقوله : ( ومن الناس من يعجبك قوله) الآية. فالواعظ مالم يكن مع مقاله فعال لم ينتفع به، إذ عمله مدرك بالبصر، وعلمه مدرك بالبصيرة، وأكثر الناس أهل أبصار لا بصائر؛ فيجب كون عنايته باظهار مايدركه جماعتهم اكثر، ومنزلة الواعظ من الموعوظ كالمداوى من المداوى؛ فكما أن الطبيب إذا قال للناس: لا تأكلوا كذا فإنه سم. ثم رأوه ياكله عد مخرية وهزءا، كذا الواعظ إذا أمر بما لم يعمله، ومن ثم قيل: يا طبيب طبب نفسك!! فالواعظ من الموعوظ يجري مجرى الطابع من المطبوع؛ فكما يستحيل انطباع الطين من الطابع بما ليس منتقشا فيه فمحال أن يحصل في نفس الموعوظ ما ليس في نفس الواعظ. وقيل: من وعظ بقوله ضاع كلامه، ومن وعظ بفعله نفذت سهامه. وقيل: عمل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل.
تنبيه: وقد جاءت الآيات والاخبار وصحاح الآثار تأمرنا أن لا نرائي في عباداتنا أحدا من الخلق خوفا من مقت الله عز وجل سواء كان الرياء مصاحبا للعمل أو متأخرا عنه، كأن يحب أحدنا والعياذ بالله تعالى ظهور أثر الطاعة عليه من نور الوجه وحسن السمت في المستقبل، اوظهور أثر السجود في جبهته مثل ركبة العنز، أو كثرة المصلين في جنازته لغير 191
पृष्ठ 80