सिल्म अदब नफ्स
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
शैलियों
أما الفضيلتان الأخيرتان اللتان نحن بصددهما فتختصان بعلاقة الفرد مع الجماعة، فالعدل يمنح كل ذي حق حقه، ويمنع التحيز والتغرض والتشيع، وأما الحكمة فترشد إلى الحق، وكلتاهما تجتمعان في المحبة كوجهين لها على نحو اجتماع التعفف والشجاعة كوجهين للاعتدال.
وقد حسب بعض الأدبيين المصلحين المحبة أساس جميع الفضائل، فالمحب لا يكذب على محبوبه ولا يسرقه ولا يخونه ولا يؤذيه إلخ، ولكن لا تعد المحبة فضيلة إلا إن كانت موجهة من الفرد إلى المجتمع. وأما الحب الموجه من فرد إلى فرد آخر معين فلا يعد فضيلة؛ لأنه إذا عصم المحب عن أذية محبوبه فقد لا يعصمه عن أذية غير محبوبه أو أذية المجتمع. فالمحبة - كفضيلة - هي سجية اعتبار الإنسانية حبيبا للمحب كيفما تمثلت له وتجلت؛ ولذلك المحبة تشمل الصدق والأمانة، وهما ركنا العدل.
فإذا كانت محبة الإنسانية سجية للمرء، كانت من الجهة الواحدة حكمة ترشد الضمير إلى الحق، ومن الجهة الأخرى عدلا يوجه الحق إلى صاحبه، فالعدل والحكمة متلازمان في توجيه السلوك إلى خير المجتمع. (3-2) روح المحبة الحكيمة العادلة
فروح هذه الفضيلة المحبة الحكيمة العادلة هي سيطرة فكرة المجتمع أو الرأي العام على فعل الفرد، باعتبار أن طبيعة المجتمع يجب أن تكون الداعي للسلوك وقاعدته الأدبية، لا أن يكون التغرض والتحيز والتشيع ونحو ذلك، مما ينتج عن النوابض النفسية والأهواء الشخصية، محركا للسلوك وقاعدة له.
يكون العدل فضيلة الفرد حيث لا محاكم توجبه، وتكون الحكمة فضيلة حيث لا نظام ولا شريعة تحدد الحق وتعينه، وإنما يعد القضاء العادل والقانون المحق الحق والمزهق الباطل فضيلتي الجماعة أو الأمة، ولا سيما إذا كانت الجماعة تخضع للقضاء والقانون الدوليين. (3-3) تميز العدل الأدبي على العدل القضائي
العدل كفضيلة فردية إنما هو قضاء وتنفيذ معا، خلافا للعدل القضائي، فهو حكم فقط، والتنفيذ منوط بقوة أخرى قد تحسن التنفيذ أو تسيئه، كما أن القضاء نفسه قد يكون حسنا أو سيئا بالرغم من عدالة القانون، كما كان لعهد تركيا العثمانية؛ حيث كان القانون عادلا، ولكن لا القضاء ولا القوة التنفيذية كانا عادلين.
العدل الفردي أنقى من العدل المدني القضائي، وأقرب للصواب، وأضمن للحق منه، فهو مستمد من روح الجماعة على الإطلاق، وصادر من محكمة الرأي العام، ولكن العدل المدني قلما يخلو من التشوه بالتغرض والتحيز والتشيع؛ لانحصار القوة الاشتراعية في طبقة أو فئة خاصة من الناس، فلا بد أن تشذ بهم مطامعهم وأغراضهم النفسانية عن جادة الحق؛ لذلك تجد الشرائع الدينية مهما كانت ديموقراطية الروح لا تخلو من التحيز والتغرض، وهي دائما تحت عملية التنقيح والتعديل.
لاحظت مما تقدم أن العدل ميزان الحقوق، كالاعتدال ميزان الشجاعة، فهو بهذا المعنى: الإنصاف بين خصمين أو مختلفين على حق، هو ضد التغرض الذي هو اضطراب ميزان الحق. (3-4) تحول العدل إلى رحمة
وقد علمت آنفا أن اليد التي ترفع هذا الميزان إنما هي يد الرأي الاجتماعي العام، والرأي العام الذي ينظر إلى الفرد كجزء من الكل الاجتماعي يحمل هذا الفرد أن يحرص على العدل ويحبه ويجريه في حياته. على أن هذا الرأي الاجتماعي إذا كان راقيا كان للعدل عنده صورة أخرى أرقى وأجمل، وهي صورة التسامح مع الضعيف، وتتمة ما فيه من نقص؛ بإعطائه مما في القوي من زيادة؛ لكي يصلح أن يكون جزءا عاملا في ذلك الكل الاجتماعي، فالعدل إذا ارتقى صار رأفة فرحمة، والرحمة تمنح للفرد الذي حال عجزه دون القيام بواجبه للمجتمع، ومن الرحمة يشتق الإحسان والإسعاف أيضا، وهو أعلى صور العدل.
ونقول: إن الرأفة والرحمة والإحسان صور من العدل؛ لأنها واجبة من الواجبات الاجتماعية في المجتمع الراقي الصاعد في سلم الرقي إلى الكمال. وقد حسب معظم الناس الرحمة والإحسان ضد العدل، أو هما شيئين آخرين غير العدل؛ لأنهم غفلوا عن أن الرحمة والإحسان هما سجيتان للإنسانية، فحين يطلب المعدم الإحسان يطلبه «باسم الإنسانية»، وحين يقدم المحسن الإحسان يقدمه لأجل الإنسانية، ومثله الرحمة، وعدالة الإحسان - أو الرحمة - أو حقانيته مؤسسة على تمثيله رغبة المجتمع الخفية أو الكمينة ككل في سعادة الفرد كجزء منه؛ ولذلك قبول الشكر والثناء لأجل الإحسان ينقض الوجه الأدبي في الإحسان، ويخرجه من دائرة الاستحقاق الإنساني، فكأنه أصبح خدمة بأجر أو سلعة بثمن.
अज्ञात पृष्ठ