सिल्म अदब नफ्स
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
शैलियों
إهداء الكتاب
مقدمة
المؤلفات التي استمددت منها روح هذا الكتاب
تمهيد
الباب الأول: مجرى الفعل
1 - محركات الفعل
2 - الإرادة
3 - الغاية
4 - السرور
الباب الثاني: أدبية الفعل
अज्ञात पृष्ठ
1 - السلوك الحسن
2 - الحكم
3 - الضمير
4 - مستندات الضمير في قضائه
5 - القاعدة الأدبية
6 - الحرية
الباب الثالث: الحياة الأدبية
1 - معنى الحياة الأدبية
2 - النظام الاجتماعي
3 - الحقوق والواجبات الشخصية
अज्ञात पृष्ठ
4 - الواجبات
5 - الفضائل
6 - الرذائل
الباب الرابع: الرقي الأدبي
1 - سنن التطور الأدبية
2 - في سبيل الارتقاء الأدبي
إهداء الكتاب
مقدمة
المؤلفات التي استمددت منها روح هذا الكتاب
تمهيد
अज्ञात पृष्ठ
الباب الأول: مجرى الفعل
1 - محركات الفعل
2 - الإرادة
3 - الغاية
4 - السرور
الباب الثاني: أدبية الفعل
1 - السلوك الحسن
2 - الحكم
3 - الضمير
4 - مستندات الضمير في قضائه
अज्ञात पृष्ठ
5 - القاعدة الأدبية
6 - الحرية
الباب الثالث: الحياة الأدبية
1 - معنى الحياة الأدبية
2 - النظام الاجتماعي
3 - الحقوق والواجبات الشخصية
4 - الواجبات
5 - الفضائل
6 - الرذائل
الباب الرابع: الرقي الأدبي
अज्ञात पृष्ठ
1 - سنن التطور الأدبية
2 - في سبيل الارتقاء الأدبي
علم أدب النفس
علم أدب النفس
أوليات الفلسفة الأدبية
تأليف
نقولا حداد
إهداء الكتاب
إلى المثل الأعلى في أدب النفس صاحب السعادة الدكتور محمد باشا شاهين الطبيب الخاص لجلالة الملك ووكيل وزارة الداخلية للشئون الصحية.
رمز إعجاب وولاء وشكر.
अज्ञात पृष्ठ
صاحب السعادة الدكتور محمد باشا شاهين - الطبيب الخاص لجلالة الملك، ووكيل وزارة الداخلية للشئون الصحية.
مقدمة
إن ما لقيه كتابنا «علم الاجتماع» من إقبال القراء واستحسانهم شجعنا على أن نستمر بنشر سلسلة من المواضيع الاجتماعية التي تلم بحياتنا اليومية إلماما شديدا؛ لأننا نعتقد أننا بنشر أحدث الأفكار والآراء بهذه المواضيع نخدم نهضتنا العربية خدمة علمية، ولا سيما لأن لغتنا لا تزال خلوا منها. وقد وفقنا الله إلى أسلوب في الكتابة بسيط، سهل المأخذ، مهما كان الموضوع عويصا.
وقد أجلنا النظر فيما نعلمه من المواضع التي من هذا القبيل، والتي نخدم بها خدمة نافعة، فرأينا بعد صدور كتابي «الحب والزواج» و«ذكرا وأنثى خلقهم»، اللذين لا يخرجان عن دائرة المعارف الاجتماعية، أن أدب النفس هو حلقة نفيسة من حلقات هذا الموضوع، وأن حاجتنا إليه في عهد التجديد الحالي شديدة، وأن خدمتنا فيه للناشئة فعالة؛ لأن لغتنا خالية من هذا الموضوع على النمط العصري، وبالآراء الحديثة، ولكننا تهيبنا الخوض فيه لأنه موضوع عقلي عويص.
ولما كنت مقيما في بوسطن «في أمريكا» سنحت لي فرصة سعيدة للمطالعة، فوقعت يدي على كتاب نفيس بهذا الموضوع للعلامة مكنزي، وهو «متن في أدب النفس»، فطالعته وشاقني بحثه جدا لسمو مواضعيه؛ ولذلك تقدمت للخوض في هذا الموضوع، ولكن بضاعتي فيه قليلة جدا.
ولما عزمت في هذا العام على تقديم الكتاب بهذا الموضوع هدية لقراء مجلة السيدات والرجال، رأيت أن لا بد من درسه من جميع جهاته، واختيار أفضل المؤلفات فيه وأكثرها ملاءمة لغرضي من خدمة نهضتنا لكي أترجمه؛ فانتقيت المؤلفات المذكورة فيما يلي وطالعتها؛ فإذا بي أرى الموضوع كثير الشعاب، مترامي النواحي، وقد طرقه المؤلفون من جهات مختلفة، وتباعدت فيه أفكارهم وآراؤهم، وتضاربت فيه مذاهبهم أي تضارب، حتى كاد يتراءى لي أن كل مؤلف من مؤلفاتهم علم مستقل قائم بذاته.
وقد وجدت في أكثر هذه المؤلفات فصولا طوالا لنقد نظريات كبار الفلاسفة والمؤلفين فيه، وكتاب مرتينو الموسوع في نحو 1100 صفحة يقتصر نصفه الأول كله وبعض نصفه الثاني على النقد.
لذلك لم أجد أن ترجمة كتاب أو كتابين من أفضل الكتب بهذا الموضوع تفي بالغرض، ولم أر بدا من تأليف كتاب خاص يوافق عربيتنا وأحوال شرقنا أكثر من أي كتاب من هذه الكتب؛ بحيث تجمل فيه روح الموضوع، وخلاصة حقائقه، وزبدة آراء الكتاب المختلفين من قدماء ومتأخرين.
فاستخرت الله متكلا ومرشدا في هذا العمل الخطير الشأن، واستعنت بإلهام نيتي الخالصة؛ فتوفقت إلى هذا التأليف كما تراه بأبوابه وفصوله.
ولي الأمل الكبير أن يجده القارئ الكريم موازيا في قيمته لما عانيته في الدرس له وفي تأليفه، ووافيا بغرضي من خدمة الأمة العربية، وإلا فأسأل الله أن يقيض لهذا العلم الجليل من هو أطول باعا فيه، وأحد قريحة؛ فيملأ الفراغ الذي رغبت في ملئه. والله يوفقنا جميعا لحسن الخدمة الخالصة للشرق.
अज्ञात पृष्ठ
شبرا، مصر
20 / 7 / 1928
نقولا حداد
المؤلفات التي استمددت منها روح هذا الكتاب
(1)
MANUAL OF ETHICS, By John S. Mackenzie M.A.
Wales (2)
The ELEMENTS OF ETHICS, By John H.Muirhead L.L.D.
Birmingham. (3)
TOPICS OF ETHICAL THEORY, By James Martineau D. D, S.T.D, D.E.L.L.L.D.
अज्ञात पृष्ठ
Late Principal of Manchester New College. London. (4)
THE THEORY OF ETHICS, By Arthur Kenym Rogers. (5)
THE FACTS OF THE MORAL LIFE, By Wilhelm Wandt.
Leipzing. (6)
(7)
THE ETHICS OF PROGRESS, By Charles F. Dole.
تمهيد
ماهية علم أدب النفس
(1) تسمية الكتاب
هذا كتاب يبحث في سلوك الإنسان وتصرفاته من حيث الدوافع التي تدفعه إليها؛ من بواعث داخلية في نفسه، ومن عوامل خارجة عنه، ومن حيث أساليبها وغاياته منها، والذرائع التي يتذرع بها إلى هذه الغايات، ومن حيث تأثير إدارته الصالحة والرديئة، وتأثير أخلاقه وأحواله فيها، ومن حيث أدبياتها صوابا أو خطأ، وحقا أو غير حق، ومن حيث عواقبها على شخصيته من جهة، ومساسها بأشخاص آخرين أو المجتمع من جهة أخرى.
अज्ञात पृष्ठ
هذا هو موضوع الكتاب، وهو ما يسمى باللغات الأوروبية
Ethics ، وقد حرت في تسميته بلغتنا؛ لأني تحيرت في ترجمة هذه اللفظة.
ربما كانت عبارة «علم السلوك» تقاربها، ولكن عبارة «آداب السلوك» سبقتها في لغتنا الحديثة بمعنى الآداب العمومية؛ كآداب الزيارة، وآداب المائدة، وآداب المخاطبة إلخ، فأخشى أن استعمال عبارة «علم السلوك» يوهم أن المراد من الكتاب هذه الآداب العمومية، وهي غير مقصودة في هذا البحث بتاتا. وقد استعمل الكتاب الإفرنج لهذا الموضوع عبارة «الفلسفة الأدبية» أيضا، وهي لائقة له معظم اللياقة، ولكني أستكبرها لكتابي هذا، وإن كان المراد منه تعليل المواضيع التي تقدم ذكرها بأسلوب فلسفي؛ لأني أتوخى في أبحاثه البساطة ما أمكن؛ لكي يكون ككتاب ابتدائي يصلح للتعليم في المدارس، وكتمهيد لمؤلفات أعلى في هذا العلم إذا تصدى لها من هم أوسع علما، وأعمق تفكيرا، وأبلغ يراعا.
ولأن مباحث هذا العلم مختصة بالأفعال النفسانية من الوجهة الأدبية، رأيت أن أفضل تسمية لهذا الكتاب «علم أدب النفس»، ولا سيما لأن عبارة أدب النفس وردت على أقلام كتابنا القدماء والمحدثين بما يقارب هذا المعنى، فإذا قبلها أئمة اللغة مرادفة للفظة إثكس
Ethics ، وهي قريبة لها أيضا؛ شاع استعمالها بهذا المعنى ورسخت له. (2) علم أدب النفس بين العلوم
الشخصية الإنسانية هي جوهر مباحث هذا الكتاب، ولكن للشخصية الإنسانية جهات مختلفة، أهمها؛ أولا: الجهة الحيوية من حيث نشوء الإنسان وتدرجه في أدوار الحياة، وعلم الحياة «بيولوجيا» كفيل بهذا البحث، ومن حيث تسلسله وتطور السلالات، وعلما الأنثروبولوجيا والأثنولوجيا مختصان بهذا البحث، ثانيا: الوجهة العقلية من حيث نشوء العقل، وتفرع قواه المختلفة وأفعالها في تدريب الإنسان، وعلم النفس أو علم العقل خاص بهذه الجهة، وثالثا: الجهة الاجتماعية من حيث نسبة الفرد إلى الجماعة، وشأنه فيها، وتفاعله معها، وعلم الاجتماع مختص بهذه الجهة.
وموضوعنا الآن متوسط بين هذه العلوم الثلاثة الرئيسية: الحياة، والعقل، والاجتماع؛ فيتناول تارة من هذا، وأخرى من ذاك، كما أنه يمس علوما أخرى تصله بها. فلننظر الآن كيف يتصل علمنا هذا بالعلوم الأخرى. (2-1) علم الحياة
لعلم الحياة «بيولوجيا» وما يتصل به من علمي الفسيولوجيا «علم وظائف الأعضاء» والباثولوجيا «علم الأمراض» شأن في تصرفات الإنسان؛ فلنشوء الإنسان وتطوره وارتقائه تأثير كبير في تطور الأخلاق البشرية والأدبيات الإنسانية؛ لأن نواة الأخلاق والآداب تبتدئ في حياة الحيوانات، والغرائز الخلقية والأدبية ورث الإنسان جرثومتها من السلالة الحيوانية التي ترقى منها، وكلما اكتشفت حقيقة بيولوجية اكتشفت معها نظرية أدبية.
ولما كان للجهاز العصبي شأن عظيم في مزاج الإنسان وأخلاقه وإحساساته، كان لعلم وظائف الأعضاء «فسيولوجيا» دخل في حياة الإنسان الأدبية، وكذلك لعلم الأمراض العقلية صلة بهذا العلم؛ لما لها من التأثير في الحكم على تصرف الإنسان خطأ كان أو صوابا، وبالإجمال نقول: إن شروع الإنسان في الفعل أو العمل، وكيفية تصرفه فيه، وما له والحكم عليه، كل هذه ترجع في كثير من الأحوال إلى طبيعته الحيوية، وحالات جهازه العصبي، وقواه الجسمانية، وسلامتها أو اعتدالها. (2-2) علم العقل
ولعلم العقل اتصال بتصرف الإنسان أكثر من علم الحياة؛ لأن الوجدان والإرادة والتصور والذاكرة أو الحافظة والتخيل تلعب أهم الأدوار في السلوك، وهي من مباحث علم العقل. ناهيك عن الإحساسات والعواطف والانفعالات التي تحرك الإنسان للعمل إنما هي أفعال عقلية، والضمير الذي هو مركز القضاء في أفعال الإنسان والحكم عليها صوابا أو خطأ إنما هو قوة عقلية أيضا. وللمنطق المتفرع من علم العقل شأن أيضا في وزن الأفعال ومقايستها؛ فهو كما يرشد إلى سداد الفكر يرشد أيضا إلى سداد التصرف. فنحن في بحثنا عن الإرادة الحسنة، وعن العاطفة والانفعال، وعن القصد والغاية، إلى غير ذلك من مواضيع هذا العلم نلجأ إلى نظريات الفلسفة العقلية. (2-3) علم الاجتماع
अज्ञात पृष्ठ
ولا يخفى عليك أن الإنسان مرتبط حتما بالجماعة؛ فجميع تصرفاته تؤثر في الجماعة، كما أن تصرفات الجماعة تؤثر فيه، ولولا هذا الارتباط الاجتماعي لما كان لأدبيات الإنسان وأخلاقه معنى؛ فلو عاش منفردا لانتفت مسئوليته، ولا كان لحريته حد إلا الطبيعة، ولا كان لفعله قيد، ولا للخطأ والصواب والحق معنى إلا تجاه نفسه فقط؛ فلذلك ترى أن علم الاجتماع أشد ارتباطا بتصرفات الإنسان من العلمين السابقين: الحياة والعقل.
فالعائلة والجماعة والأمة تضع على المرء التزامات لا يكون مسئولا بها لو أمكنه أن يعيش منفردا، ثم إن احتكاك الأفراد الآخرين في جميع أعماله وأفعاله اليومية تثير نفسانياته العديدة، وثورتها تحركه للفعل. إذن للوسط الاجتماعي عمل عظيم في تحريك الإنسان للفعل والعمل. (2-4) العلوم الاجتماعية الأخرى
التاريخ:
للتاريخ بعض الشأن في هذا العلم؛ لأنه يمد الباحث الأدبي كما يمد الباحث الاجتماعي بأخبار الحوادث التي تقتبس كشواهد وأمثلة على الحقائق الأدبية. ويمكنك أن تستخرج من التاريخ كثيرا من المبادئ والسنن الأدبية التي تعد كقواعد يتمشى عليها.
علم الاقتصاد:
هذا العلم يرتكز في بعض مباحثه على القواعد الأدبية، وما الشئون الاقتصادية إلا أنواع من تصرفات البشر، وإذا تطوح علم الاقتصاد إلى المباحث الاشتراكية كانت قاعدته «أدبية الإنسان»، فالبحث في فائدة المال، وهل هي حق أو غير حق، وفي قوة المال، وهل هي منتجة أو غير منتجة، وفي قيمة العمل بالنسبة إلى المال، إلى غير ذلك من القضايا الاشتراكية. هذا البحث يستند على الفلسفة الأدبية.
علم السياسة:
كذلك هذا العلم الذي يعد كعلم الاقتصاد فرعا من علم الاجتماع، إذا توسع به يستند أيضا إلى الفلسفة الأدبية؛ لأن نواته العدالة بين الأمم والجماعات والأفراد. والعدالة من خصائص علم أدب النفس. وعلائق الأمم وحقوقها مستمدة من أحكام الفلسفة الأدبية.
الشرائع الأدبية والمدنية:
هذه أيضا مستمدة من أحكام الفلسفة الأدبية. ومهما تقلبت الشرائع وتطورت كان تقريرها مستندا إلى القضايا الأدبية؛ ففلسفتها إنما هي فلسفة أدبية بحتة. (2-5) فلسفة ما وراء الطبيعة
अज्ञात पृष्ठ
وإذا تمادى الباحث الأدبي في البحث عن علاقة أدبية الإنسان بالطبيعة، وعن تكون عواطفه وإحساساته وانفعالاته، تطرق إلى منزلة فكر الإنسان في حقيقة الوجود، وعن علاقة لذته وألمه بالوجود، وأخيرا عن حقيقة وجود الإنسان نفسه، وما هي نسبتها إلى الوجود العام، وما هي غاية الإنسان العظمى أو غاية وجوده، إلى غير ذلك من المباحث الفلسفية؛ فالتوغل في الفلسفة الأدبية يقود الفيلسوف إلى البحث فيما وراء الطبيعة
Metaphysics . (2-6) وجوه هذا العلم
وقد اختلفت مباحث العلماء في هذا العلم أكثر من اختلافهم في سواه، فطرقوه من جهات مختلفة حتى تباينت فيه أغراضهم، وتضاربت مباحثهم، وكثر فيه نقدهم. وقد تجد في بعض مؤلفاتهم فصولا للنقد والتفنيد أطول من فصولهم التعليمية. ومن ذلك أن لمرتينو كتابا يشغل نحو ألف صفحة أكثر من نصفه نقد وتفنيد لآراء العلماء ونظرياتهم. فكأن هذا العلم لم يستقر على قرار كسائر العلوم.
أما نحن فلا نتعرض لتضارب النظريات، ولتباين الآراء، وإنما نقتصر على البحث العلمي كما استوحيناه من الكتب التي طالعناها بهذا الموضوع، مستخرجين أسد الآراء، وأقرب النظريات إلى الصحة. (3) فحوى الكتاب وتبويبه
لا يتعرض هذا العلم لشخصية الإنسان والطبيعية بتاتا، وإنما موضوعه أفعال الإنسان الصادرة من شخصيته الاجتماعية التي ستتضح لك في فصول الكتاب، وحينئذ ترى أن مباحثه تدور حول أفعال الإنسان لا حول الإنسان نفسه. (3-1) مجرى الفعل
فلذلك نتتبع الفعل الإنساني مهما كان نوعه وشكله من ضحك أو بكاء، أو مشي أو نوم، أو حركة أو سعي أو عمل، وبالإجمال: كل تصرف من تصرفات الإنسان نتتبعه منذ نشوئه إلى أن ينتهي، ولا يخفى عليك أنه لا بد لكل فعل يفعله الإنسان من دافع يدفعه إليه؛ أي أن كل فعل يسبقه محرك يحركه.
فلذلك لا بد أن نلم بمحركات الأفعال من غرائز وعواطف وإحساسات وأهواء وشهوات ومقاصد إلخ. ولأن للإنسان إرادة، فأعماله مدارة بإرادته على الغالب؛ لذلك نبحث في الإرادة وما يتفرع منها من قصد وتصميم إلخ. وبالطبع لا بد لكل فعل من غاية يتجه إليها أيضا، ولا بد أن يكون مآل هذه الغاية السرور، وإلا فلا يريدها الإنسان ولا يوجه فعله إليها. وهذا يستلزم بحثا مستفيضا في السرور. ترى أن كل هذه المباحث تدور حول مجرى الفعل، وهو الباب الأول من الكتاب. (3-2) أدبية الفعل
وإذا تقدمنا خطوة في البحث، رأينا أن مجرى الفعل الإنساني يختلف عن مجرى الفعل الحيواني، بكونه مقترنا بالإرادة الأدبية؛ ولذلك نسميه: سلوكا، فالسلوك هو فعل يجري تحت سيطرة الإرادة والتعقل، ولا بد من قوة عقلية تحكم عليه وتقرر إن كان حسنا أو غير حسن. ولتقرير ذلك لا بد من البحث عن قاعدة أدبية يطبق عليها الفعل ليثبت أنه حسن؛ لذلك يشتمل البحث في أدبية الفعل «وهو الباب الثاني»: البحث في قوة الحكم والضمير، ومستندات الضمير، والقاعدة الأدبية، وأخيرا يفضي بنا الموضوع إلى البحث في الحرية وحدودها. (3-3) الحياة الأدبية
بعد استيفاء التبسط في سنن أدبية الفعل نعود إلى تطبيق الحياة الإنسانية على هذه السنن؛ لنتفهم معنى الحياة الأدبية والغاية القصوى منها، وحينئذ نفهم أن للإنسان شخصية اجتماعية أو أدبية أو إنسانية تختلف عن شخصيته الطبيعية، ناشئة من علاقته الوثيقة بالمجتمع، وأن للحياة غاية قصوى هي المثل الأعلى في الجودة التي هي جمال روحاني. وهذا يحدو بنا إلى التبسط بالنظام الاجتماعي وما يقتضيه من الحقوق والواجبات المتبادلة بين الأفراد والمجتمع، وإلى البحث في نشوء الشرائع وكيفية الاشتراع، وأخيرا يرتقي بنا البحث إلى الفضائل والرذائل، وماهيتها وطبيعتها، وما تستلزمه من ثواب وعقاب. فالحياة الأدبية تشغل الباب الثالث من الكتاب. (3-4) الرقي الأدبي
يبقى بعد ذلك أن نلتفت إلى عملية الحياة الأدبية ومجراها لنرى ما يعتورها من التطور والتغير والتحول. وهذا يستدعي البحث في سنن التطور الأدبى، ثم يحدو بنا الموضوع إلى استعراض التطورات الارتقائية التي مرت عليها الهيئة الاجتماعية من نشوئها إلى الآن، وما هي صائرة إليه في اتجاه رقيها إلى المثل الأعلى. وهذه المباحث تشغل الباب الرابع؛ وهو الرقي الأدبي.
अज्ञात पृष्ठ
الباب الأول
مجرى الفعل
الفصل الأول
محركات الفعل
(1) مقدمة الفصل - منشأ المحركات (1-1) المصدران الرئيسيان للحركة
قد يتراءى لك أن كل فعل من أفعالك يحدث بملء تعقلك؛ أي بإرشاد عقلك وتدبيره، والحقيقة أن لأخلاقك التأثير الأول في تدريب أفعالك. وهذا التأثير يكثر أو يقل بنسبة معكوسة لترويك، فكلما ترويت قل تأثير الأخلاق، وكثر تأثير العقل في توجيه الفعل أو إدارته، والعكس بالعكس.
مثل ذلك: يبكي الطفل فتتحرك عاطفة الحنو عند الأم، فإذا تسرعت ألقمته ثديها، ولكن إذا تروت قبل ذلك أو تدبرت نصح الطبيب، أو فكرت بمعلوماتها؛ لاح في خاطرها أن إرضاعه وهو مصاب بعلة معوية ضار له، فتمتنع عن إرضاعه؛ ففي حالة تسرعها الأولى يتغلب خلق الحنو على حكم العقل، وفي حالة تدبرها الثانية يتغلب التعقل على الحنو.
ومهما تروى الإنسان وتدبر وتعقل فلا ينتفي بتاتا تأثير أخلاقه في أفعاله؛ إذا رأيت ولدك يتخاصم مع ولد آخر، ثم تحققت نقطة الخصام، فهيهات أن يخلو حكمك على أيهما المحق أو المحقوق من تأثير العاطفة. (1-2) الشخصية الإنسانية الأدبية
فشخصية الإنسان الأدبية مركبة من عنصرين أساسيين، كل عنصر منهما قوة قائمة بذاتها، وحاصل فعل هذه الشخصية إنما هو نتيجة حركات هاتين القوتين؛ وهما: الخلق الفطري والتعقل، فالأول: ينشئ القوة الفاعلة، أو المصدرة المحركة، أو المحرك الأول، والثاني: يدربها؛ فلو ترك الخلق يفعل وحده لبقينا حيوانات غير أدبية، ولو ترك التعقل يفعل وحده لكنا وجدانات غير أدبية؛ فشخصية الإنسان الأدبية إذن مركبة من الخلق الفطري والتعقل. (1-3) الخلق
الخلق: هو كل ميل طبيعي في الإنسان يدفعه إلى الفعل والعمل، فمنه ما هو غريزي بحت قلما تكفيه التربية والعوامل الخارجية والبيئة الاجتماعية كالحب والنبضة التناسلية والجوع، ومنه ما هو شبه غريزي؛ أي هو فطرة طبيعية، وإنما للعوامل والبيئة تأثير فيه، كثيرا أو قليلا؛ كالشجاعة والجبن والإعجاب بالجمال إلخ.
अज्ञात पृष्ठ
فالأخلاق عموما خواص طبيعية في الإنسان تصدر من الجهاز العصبي، ولا سيما الدماغ، فهي من جملة قوى الوجدان، ولكنها غير خاضعة الخضوع المطلق لحكم الإرادة، ولا هي منقادة الانقياد التام للتعقل، فهي أول ما يبدو في مظاهر الإنسان حين تثيرها العوامل، ومتى بدرت انبرى العقل للسيطرة عليها، فقد يكبحها أو يدربها أو يؤيدها ويسندها، فكأنها قوى عقلية ثانوية. وكونها فطرية طبيعية لا يثلم نسبتها للعقل؛ لأن الوجدان الإنساني لا يخرج من دائرة الفطرة، فالإنسان عاقل متعقل بالفطرة، والعقل نفسه ابن الغريزة؛ أي هو غريزي، وقبوله للنمو وحذق المعرفة والتعلم هو أمر غريزي فيه أيضا. (1-4) الغريزة الحيوانية
ولا يمكننا أن ننتهي من مقدمة هذا الفصل ما لم نفسر معنى الغريزة ونعللها تعليلا يسهل تفهم الأخلاق، وشأنها في تحريك الأفعال. فإذا ألفتنا نظر القارئ مثلا إلى قرص الشهد الذي يبنيه النحل خليات كلها سداسية الأضلاع متصلة بعضها ببعض اتصالا محكما، ولا يمكن أن يخطئ في واحدة، وعلم أن النحلة لا تتعلم هذا البنيان علما، ولا تقتبسه اقتباسا، بل هو طبيعة فطرية تبعثها فيها على العمل من غير تفكير، يفهم حينئذ ما هي الغريزة بأوسع معنى. وقس على ذلك بناء النحلة للشهد، نسج الفراشة للفليجة «الشرنقة»، وبناء العصفور للعش، ونسج الرتيلاء للشبكة، وخزن النمل الحبوب في أهراء تحتفرها تحت الثرى، ومهاجرة الطيور من أوروبا إلى أفريقيا فوق البحر المتوسط في الفصل المعين إلخ.
فهذه الحشرات والحيوانات تفعل هذه الأفعال بقوة ميل طبيعي في بنية أجسامها، كما أنها تنشأ وتنمو إلى أن تنضج في الشكل الذي يعين لنوعها بقوة هذا الميل؛ فالطير يتجنح، والدودة تتحول إلى فراشة، والوعل «يتقرن»؛ أي ينبت قرناه متشعبين إلخ، بقوة هذا الميل الذي في طبيعة بنيته الخاصة.
فالغريزة إنما هي وليدة هذا الميل الذي بطبيعة الحي، وهذا الميل نتيجة فعل البيئة التي حددت للحي شكل بنيته؛ فجعلت للطير جناحين، وللسمكة زعانف، وجردت الحية من قوائمها إلخ. إذن هذا الميل قابل للتغير بتغير البيئة، وبالنتيجة تتغير الغريزة بتغير هذا الميل الطبيعي. والبيئة هي الماء للسمكة، والهواء للطير، وبطن الأرض للحية والنملة، وسطح الأرض للزحافة، وهلم جرا.
ولما كان فعل البيئة لا يؤثر تأثيره الدائم في جيل أو أجيال معدودة، بل في أجيال لا يحصى عددها، كان لا بد من أن ينتقل هذا الميل الذي في طبيعة الحي من جيل إلى جيل رويدا رويدا. وهذا الانتقال هو الوراثة الطبيعية.
فالغريزة إذن هي ميل محتوم في طبيعة كل حي إلى فعل معين الشكل لا بد منه، ونتيجة عامل البيئة وسنة الوراثة.
فإذا كان للحيوان شيء من العقلية كانت عقليته نفسها، مهما كانت ناضجة، ضربا من ضروب الغريزة أيضا، ونتيجة العوامل البيئية أيضا؛ كبناء الطير للعش، ومغازلة الطيور ومهاجرتها، ووثب الغزلان في حالة اللهو والمرح، ودعابة سائر الحيوانات ذكورا وإناثا. (1-5) الغريزة الإنسانية
والإنسان - وهو السلالة الراقية من الحيوان - قد ورث كثيرا من غرائز الحيوان؛ فهو يغازل ويحب، ويخاف ويهرب تجنبا للخطر، ويغضب ويضرب دفعا للأذى، ويعطف ويحنو على وليده إلخ، بحكم هذه الغريزة. ولكن لأن عقليته ارتقت جدا حتى صارت القسم الأعلى من شخصيته؛ قبضت على أزمة غرائزه الأخرى لتدربها إلى مصلحته ونفعه ولذته، وبالإجمال إلى حفظ حياته وحفظ نوعه. ومع ذلك، لم تخرج عقليته خروجا مطلقا عن الدائرة الغريزية؛ فهو يتعلم أن يتكلم ويتأنق في أكله وشربه ولبسه وتصرفه، ويتعلم القراءة، ويتلقى جميع المعارف؛ لأن فيه استعدادا للتعلم؛ فهذا الاستعداد غريزة خاصة به ليست في الحيوان الأعجم، ولولا هذه الغريزة لبقي حيوانا.
فكل غريزة خاصة في الإنسان دون الحيوان، أو هي أرقى فيه منها في الحيوان؛ كالحب، والتعجب من الأمر المجهول، والإجلال للأمر العظيم إلخ، كانت في الأصل عادة اقتضتها العوامل البيئية من جهة، والعوامل الاجتماعية من جهة أخرى. والعادة متى تكررت وانتقلت من جيل إلى جيل أصبحت بعد عديد الأجيال غريزة. (1-6) الأخلاق
الأخلاق البشرية: إنما هي مجموعة غرائز بعضها ورثها الإنسان من الحيوان، ولكنها ترقت فيه وتأنقت، وبعضها كسبها على مرور القرون بفعل العوامل الاجتماعية، فترقت وتأنقت بترقي عقليته، فسميناها أخلاقا تمييزا لها عن غرائز الحيوان التي لا تزال وحشية مقصورة على مطالب الحياة المعدودة.
अज्ञात पृष्ठ
وسبب ذلك هو أن الأخلاق الإنسانية أول ما ينبري لتحريك المرء للعمل؛ لأنها أسبق من العقل، وهي أول ما ينبض في الإنسان حين يتأثر من مؤثر داخلي كالجوع والنبضة التناسلية ، أو من مؤثر خارجي كالخطر، أو المستهجن، أو المدهش، أو المعجب، أو العظيم، ثم لا يلبث أن ينبري الوجدان العاقل أو العقل لتدبر التأثر، وتدريب الفعل.
ونحن في خوض هذا الموضوع نبحث في السنن الأدبية التي تتقيد بها الأخلاق بحكم الحياة الاجتماعية، نبحث في القواعد والأنظمة التي تتمشى عليها الأخلاق، وتتدرب فيها الأفعال التي تحركها الأخلاق.
الأخلاق طوائف مختلفة، بعضها رئيسية قلما تختلف في الأشخاص، فهي فيهم بعينها، وإنما تختلف في حدتها ومقدار تأثيرها، وبعضها ثانوية تتفرع من تلك، أو تتصل بها، أو تنتسب إليها.
أما الرئيسية فهي الأخلاق الأساسية التي تتصدر لتحريك الإنسان للعمل حين يحدث ما يثيرها، وتسبق التعقل، وهي أربع: (1)
الغرائز الرئيسية. (2)
العواطف. (3)
الانفعالات. (4)
الإحساسات.
وأما الثانوية فهي الأخلاق المتفرعة الرئيسية، والتي تبدو بعدها لتحريك المرء للفعل، ويغلب أن يصحبها التعقل، كما ستراها في مواضعها في هذا الفصل. (2) الغرائز (2-1) الغرائز الرئيسية
هي أميال أو قوى فطرية في الإنسان ضرورية لانفعال الجسد اللازمة لحياته ولبقائه وبقاء سلالته، تصدر من معمل الحياة الداخلية من غير أن تحركها أو تثيرها العوامل الخارجية؛ ولذلك يمكنك أن تسميها نوابض الحياة أو نعرات الطبيعة الحيوانية، وهي ثلاث:
अज्ञात पृष्ठ
الأولى: «الجوع أو الشهوة للغذاء» الجوع دافع من الداخل لطلب الطعام أو السعي إليه، يتحرك من نفسه من غير أن يوجد الطعام ليحركه، فالدافع فطري أو غريزي؛ لأن القوة الحيوانية تقتضيه لنمو الفرد وبقائه إلى أجل، وليس للعقل سلطان مطلق عليه يمكن أن يكبحه أو يردعه إلى حد محدود؛ ولذلك قيل: «الجوع كافر.» وإذا ردعته الإرادة إلى حد الموت - كما صام مكسويني الأرلندي في سجنه إلى أن مات - كان هذا الردع نتيجة قوة خلق آخر تغلبت عليه؛ كحنق مكسويني الشديد على الحكم الإنكليزي الذي سجنه بلا حق، في يقينه.
فالحنق تغلب على الجوع. وهو أمر شاذ نادر؛ فسعي الإنسان إلى الرزق، بل إلى أطايب العيش وأناقته ونعيم الحياة إنما هو مدين في الدرجة الأولى إلى هذا الدافع. الإنسان يسعى إلى ملء بطنه طعاما، فإذا بقيت عنده فضلة من القوة للسعي إلى الرزق؛ بذلها في السعي إلى طيب العيش وملذاته.
الثانية: «الشهوة الجنسية أو التناسلية» وهي كالأولى دافع داخلي غريزي ينبض من نفسه، أو بالأحرى من القوة الحيوية، وإنما يختلف عن النابض الأول بأن غايته استمرار السلالة أو بقاء النوع - كما يقول علماء البيولوجيا - لإبقاء الفرد. وهو يضارع الجوع في تمرده على التعقل والإرادة، وإنما تمرده المطلق لا يفضي إلى موت الفرد، بل إلى انقطاع خيط السلالة عند ذلك الفرد. وبقوة هذا الدافع يجتذب الفرد فردا آخر مخالفا له في الجنسية النسلية. وجميع مساعي الأفراد في الحصول على هذه الجاذبية مدينة لهذه الغريزة؛ فالفرد يبذل مجهودا في التجمل وجميع ضروب الاستقواء، من جمع مال والتوصل إلى الجاه والنفوذ؛ لكي يجتذب إليه قرينا أو قرينة.
1
الثالثة: «العزيمة أو القوة الذاتية التي تحرك أعصاب الجسم وعضلاته للعمل» هي قوة مدخرة في الجهازين العصبي والعضلي نازعة إلى الخروج منهما بأية السبل؛ فالمرء يشعر من نفسه بالميل إلى الحركة والفعل حتى ولو كان ساكن العقل أو قليله أو مختله. تتضح هذه القوة جيدا في الطفل وهو خلو من الوجدان، فلا يكاد يمل الحركة؛ لأن فيه قوة ميالة للظهور.
ونحن لا نفطن لهذه القوة لأننا نراها دائما مؤتمرة بأمر العقل، فننسب تحريكها للعقل. والحقيقة أنها صادرة من نفس المبدأ الحيوي، كما نراها في الطفل، وإنما للعقل سيطرة عليها فيدربها حسب المشيئة. فالحركة خاصة من خواص المبدأ الحيوي؛ ولذلك نراها في الأحياء الدنيا كما نراها في الحيوانات العليا والإنسان. هي خاصة حتمية للحياة، والسكون نذير بالموت؛ لذلك تعد هذه القوة في مقدمة الغرائز وهي أعظمهن وأقواهن، ومنبثة في جميع الجوارح، وهي تدفع الحي للحركة في السعي والعمل.
2 (2-2) تناسب هذه الغرائز
الشهوتان الأوليان عضويتان؛ أي أنهما تختصان بأعضاء معينة لهما، والثالثة شائعة في جميع الأعضاء، وهي تنجز العمل الذي تدفع إليه تانك الشهوتان.
هذه النوابض والأميال الثلاثة تعمل بواسطة الجهازين العصبي والعضلي، والأولان منهما قلما يخضعان لحكم الوجدان، والثالث كثير الخضوع له.
قلنا فيما تقدم: إن الغريزة الأولى تدفع المرء للسعي إلى الرزق مستعينة بالغريزة الثالثة. ولا يخفى عليك أن رزق الإنسان أوسع دائرة من رزق الحيوان الأعجم؛ فالحيوان لا يسعى إلى أكثر من ملء جوفه طعاما إلى حد الشبع، وما يبقى عنده من قوة العزم لا ينفقه في السعي إلى طعام آخر قبل أن يجوع، بل ينفقه في المغازلة وطلب القرين، ثم في اللهو واللعب.
अज्ञात पृष्ठ
وأما الإنسان فلا يكتفي برزق اليوم؛ بل يسعى لرزق الغد، ولا يقنع بالرزق البسيط؛ بل يسعى إلى العيش الأنيق، وحالته الاجتماعية وسعت أمامه دائرة الأناقة في المعيشة توسيعا عظيما جدا؛ بحيث أصبحت كفايته من الطعام نقطة في بحر هذه الدائرة، فهو يسعى إلى لذات المعيشة بدعوى الحاجة إلى الطعام.
ثم إن غريزته التناسلية دفعته إلى طلب القرين، وحالته الاجتماعية وسعت أمامه دائرة السعي توسيعا آخر أعظم، فاضطر أن يكدح لكي يرضي شهوة البطن وشهوة الأناقة والتجمل أيضا؛ لذلك تتفرع من الغريزتين الأوليين طوائف أخرى من الأخلاق نحصرها في ثلاث: (1) الرغائب. (2) المطامع. (3) الأدبيات النفسانية الذاتية. (2-3) الرغائب
الرغبة: نزعة نفسانية إلى أمر ترجى منه منفعة سارة، كما لو رغبت في أن تكون ذا شهرة أو ثروة، أو أن تكون بارعا في فن كالشعر أو الموسيقى، أو أن ترتفع إلى درجة الأعيان أو إلى غير ذلك. وتنشأ هذه الرغبة من تأثير العوامل الاجتماعية، والاحتكاك بالأشخاص، وتقلب الأحوال الشخصية. وهي تندرج في ثلاث درجات:
الأولى: «التمني» وهو شوق للحصول على الرغبة مع شعور بالعجز عن الوصول إليها، إما لضعف في الشخص، كما لو تمنى أن يكون زعيما وما فيه شيء من صفات الزعامة، أو لبعدها عنه، كما لو تمنى أن يكون ملكا وما هو بولي عهد، أو لاستحالتها، كما يتمنى الولد أن يكون ذا جناحين ليطير.
فإذا آنس المرء من نفسه مقدرة على نيل الرغبة، كما لو رام الزعامة وهو في ظروف وصفات تؤهله لها، كان تمنيه رجاء. والرجاء يدفعه إلى السعي والعمل.
الثانية: «الأمل» وهو أرقى من الرجاء، ويقرب المرء إلى رغيبته خطوة؛ لأن الأمل يتضمن الثقة بالنفس وأرجحية الحصول على الرغيبة، وينشئ الجد والمثابرة. وهاتان مع الثقة بالنفس من جملة الأخلاق الفرعية التي يختلف فيها الناس. ومتى قوي الرجاء ابتدأت اللذة بتصور الحصول على الرغيبة.
الثالثة: «الطموح» وهو تعاظم الأمل إلى حد تصور الظفر بالحصول على الأمنية، وعنده يندفع المرء في العمل؛ إذ يصبح الحصول على الأمنية أكيدا في يقين المرء. وقد تتجلى له الرغيبة على قيد باع منه. وقد يتصورها أعظم مما ترجى وتمنى. وربما تمادى في طلب رغيبة أعلى من رغيبته التي أمل فيها، وهنا تشتد لذته بتصور الحصول عليها.
وقد يقترن الطموح بالحزم، وهو تعقل الأمر وأخذه بالحكمة، والعزم، وهو الإصرار على العمل بإقدام. والحزم والعزم خلقان فرعيان آخران يختلف فيهما الناس.
ولا بد أن ينتهي الطموح بأحد أمرين: إما أن يحصل المرء على أمنيته، وهناك تنتهي لذته؛ إذ يتجدد عنده أمل آخر برغيبة أخرى وراء الرغيبة التي اتجه إليها أولا، وثمة يتجدد سعيه وعمله؛ إذ ينتقل من حال إلى أخرى، أو أن يفشل ويخيب أملا؛ فيرتد إلى حاله الأولى، فإن بقي عنده في أثناء الخيبة شيء من الرجاء والأمل، حول أمله إلى الرغيبة في طريق آخر، وإلا استولى عليه اليأس، وهو خلق آخر فرعي، واليأس يقعده عن العمل. (2-4) المطامع
المطمع: نزعة في النفس إلى الاستقواء توسلا بالقوة إلى الظفر بالأماني الآيلة إلى التمتع باللذة. ولا يخفى أن قوة المرء مهما عظمت محدودة، ولكن المطماع يحاول بأية الوسائل أن يضم إلى قوته الشخصية ما يمكنه استمداده من قوى الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه؛ مستعينا بذكائه أو دهائه أو قوة شخصيته الممتازة؛ كالهيبة وقوة الإرادة والثبات والإصرار.
अज्ञात पृष्ठ
وينشأ الطمع في النفس من جراء الثقة بقوة الشخصية وتوسع الأحوال الاجتماعية التي تفسح السبيل للسعي إلى الأمر المطموع به. والناس متمايزون بالشخصيات؛ ولذلك يتفاوتون بالمطامع تبعا لهذا التمايز؛ فأقواهم شخصية أقدرهم على الأخذ من قوى المحيط وإضافتها إلى قوته، وأضعفهم أكثرهم تعرضا لخسران شيء من قواه. والمطامع أربعة أضرب:
الأول : «المال» فالمال أو الثروة على اختلاف صورها أو أنواعها إنما هي قوة عظمى؛ لأنها حاصل عمل العاملين، فما حصل دينار أو أي متاع أو أي حاصل إنتاج إلا بذل لقاءه تعب وجهاد في عمل، ولكن النظام الحالي الانفرادي أو الفردي لا يخول لكل عامل أن يتمتع بكل حاصل عمله، بل هو يفسح السبيل لذوي الشخصيات القوية الطامعين أن يختلسوا شيئا من حاصل أعمال العاملين، ويستأثروا بها ويستغلوها لتمتعهم؛ لذلك ترى الناس فريقين: فريقا يعمل، وفريقا آخر يستغل عمل غيره. وقد يكون الشخص الواحد من الفريقين معا؛ فيستغل من عمل غيره، وغيره يستغل من استغلاله، وهكذا تمول المليوني وافتقر العامل.
والتمول يستلزم أن يكون الشخص المطماع من عشاق المال، فيسعى بقوة هذا العشق أو الشوق إلى المال للحصول عليه بأية الوسائل. والمليوني جمع أموالا بحذقه وذكائه ودهائه واغتنامه الفرص في حلبة التنازع لقطف الثمار من أتعاب المجتمع. وهكذا أضاف إلى قوته قوة كبيرة من قوى الجماعة، وبهذه القوة المالية يستطيع أن يشتري كثيرا من الأماني ليتمتع بلذاتها. وحبه للمال يدفعه إلى السعي والاحتيال للحصول عليه.
الثاني: «الجاه أو الوجاهة» وهو أن يكون المرء في منزلة سامية بين جماعته أو قومه، وهذه المنزلة تكسبه اعتبار الجماعة وتجمعها حوله لخدمة مآربه. وهو يحصل على الجاه بتفوق شخصيته؛ إما لذكائه ودهائه، أو لغناه، أو لحسبه التالد الموروث، أو لبطولته وعبقريته، إلى غير ذلك من المزايا التي يمتاز بها على الآخرين.
وبهذه المزايا الشخصية يسيطر سيطرة أدبية على جماعته أو قومه أو حزبه، ويجمعهم تحت إمرته؛ فيكون نافذ الكلمة فيهم، فكأنه بهذه المزايا يضم إلى قوته الشخصية قوى الجماعة التي تحف حوله. وهو لقاء هذه القوة التي يستمدها منهم يحمي مصالحهم، ويسبب نفعهم.
يفعل ذلك بالقوة العظمى المتضمنة فيه، والتي استمدها من قواهم؛ فكأن قوة الجماعة تجمعت فيه وتكتلت، وهو القابض على أعنتها يستخدمها حسب مشيئته، وله القسط الأوفر من الانتفاع بها. فزعيم الجماعة أو رئيس الحزب أو شيخ القبيلة الذي إذا استنفر قومه هبوا للأخذ بناصره ومعاضدته هو الوجيه. فالجاه قوة نافذة أو نفوذ، والمطماع بالجاه يدفعه مطمعه هذا إلى السعي والعمل.
الثالث: «السلطة» وهي تعلو على الجاه وتشمله أيضا، وتختلف عنه أو تزيد عليه بأنها قوة شرعية مستمدة من قوة الجماعة، ومؤيدة بالدستور أو القانون أو العرف على الأقل؛ كقوة الحاكم والوزير أو أي موظف ذي سلطة آمرة وناهية. يحصل عليها المرء بأهليته الشخصية غالبا، ولا سيما في هذا العصر النظامي، وأحيانا يحصل عليها بجاهه أو بماله، ويمكنه أن ينتفع بها كثيرا لشخصه، وتقدره على الحصول على كثير من الأماني للتمتع بها. فحسب السلطة قوة تحرك الإنسان للسعي إليها.
الرابع: «الشهرة» وهي أن يكون المرء معروفا بين قومه أو بين سواه من الناس بمزية قل الحاصلون عليها. والشهرة بحد ذاتها لذة للشهير، فضلا عن أنها كثيرا ما تكون ذريعة للاستقواء والانتفاع إلى أماني مختلفة. يحصل عليها المرء باستعمال مواهبه ومزاولتها بالثبات والإصرار والمثابرة.
من هذا القبيل شهرة الفنان؛ كالموسيقي، والمغني، والشاعر، والمصور، والممثل، والخطيب؛ لأن مضمار الشهرة هو على الغالب الفنون الجميلة التي تجتذب الجمهور إلى الفنان، وكل حرفة تتصل بالجمال؛ فالفنان يطمع بالشهرة لما فيها من الفخر من جهة، والفخر لذة، ولما فيها من الانتفاع من جهة أخرى؛ لأنها قوة يتذرع بها إلى الأماني.
ترى أن هذه الطائفة من الأخلاق الفرعية تبتدئ حيث يستفحل الطموح؛ فهي درجة أعلى من الرغائب. (2-5) الأدبيات النفسانية الذاتية
अज्ञात पृष्ठ
يقترن بالأخلاق التي نحن بصددها طائفة من الأخلاق الفرعية، فتصاحبها أو تمتزج بها وتتركب معها، وهي أدبيات نفسانية تصدر من داخل الشخصية، وقلما تمس الآخرين أو تستلزم الاحتكاك بهم. هي خاصة بالشخص نفسه، وعواقبها تقع عليه وحده، حسنة كانت أو رديئة، وهي ثلاث:
أولا: «القناعة» وهي الرضى أو الاكتفاء بما تيسر من الخير أو النفع، أو كل ما فيه لذة وتمتع. هي خلة الأشخاص القليلي المطامع، القصيري الطموح، حتى وإن كانوا ذوي قوة وأهلية. وربما كان القانع يشعر بالغبطة كالطماع أو الطامح، وقد يكون أكثر غبطة منهما لأنه لا يجاهد كثيرا ولا يجازف أو يغامر، وإنما يبقى متخلفا في حلبة السباق، ربما كان قصير النظر لا يرى الأماني البعيدة، أو يراها كالسراب، أو يراها ودونها خرط القتاد؛ فلا يطمح إليها.
ثانيا: «الاعتدال، والمراد به هنا التوسط بين طرفي القناعة والشراهة» وهي أن لا يرضى المرء بما حصل أو تيسر، بل يطمح إلى ما يجد في نفسه القدرة للحصول عليه ولو بجهاد، ولكن يزن بين مطمعه ومقدرته، فإن كانا متوازنين متعادلين أقدم ورضي بما يمكنه الحصول عليه، وإلا أحجم. يتمادى في طلب الخير لنفسه ما دام قادرا على نيله، فمتى بلغ إلى حد العجز اكتفى بما حصل، وكان راضيا مغتبطا؛ فهو يجاهد ولكنه لا يغامر ولا يجازف ولا يخاطر.
ثالثا: «الشراهة» وهي تجاوز حد الاعتدال، وهي الطرف الثاني المناقض للقناعة. تدفع المرء إلى ما فوق طاقته؛ فيجاهد ويقضي العمر مجاهدا على غير رضى بحال من الأحوال، ولا يغتبط؛ لأن نفسه لا تشبع؛ لذلك تكثر المخاطرة عند الشره، فيكون بين جانبي الفوز أو الفشل يقوم تارة ويقع أخرى.
الأول: لا يجاهد إلا فيما لا بد منه للحصول على شيء من التمتع، والثاني: يجاهد محاذرا على قدر طاقته وهو راض بما يتيسر، والثالث: يجاهد جهادا عنيفا غير راض. (3) العواطف
العاطفة: قوة فينا جاذبة لنا إلى غيرنا تتحرك فينا عند وجود هذا الغير؛ فهي تختلف عن الطائفة السابقة من الأخلاق التي تنبض من أنفسنا من غير محرك خارجي، تتحرك فينا العاطفة بتؤدة تبعا لإرشاد العقل، وتكون في وجداننا شكلا عقليا خاصا بها حتى تكاد تعد قوة من قوانا العقلية.
قلنا: إنها قوة جاذبة، فهي جاذبية بين متشابهين أو طبيعتين من صنف واحد؛ الواحدة جاذبة من الخارج، والأخرى مجذوبة من الداخل؛ فهي على حد قول الشاعر: «شبيه الشكل منجذب إليه.» هذه القوة تستحضر في ذهننا مجمل اختيارنا، أو صورة شخصيتنا، أو الشبيه المرسوم في مخيلتنا. وهي خمس رئيسية: (3-1) العواطف الرئيسية
الأولى: «العاطفة الوالدية أو الحنو الوالدي» فالأب «أو الأم» يعطف على ابنه أولا: لأنه يرى فيه صورة جوهره - جوهر منه، ولكنه مستقل عنه - وثانيا: لأنه يمثل استمرار جوهره؛ جوهر منه قائم بذاته، ولكنه متوقف في وجوده ونموه عليه. فهذه العاطفة تمثل في ذهن العاطف ذاتيته: فلو فرض أن أبا «وأما» شك أو عرف أن هذا الولد ليس ابنه؛ فهذه العاطفة تتلاشى، وقد تتحول إلى شفقة، وربما تلاشت الشفقة أو تحولت إلى إعراض، وقد يتحول الإعراض إلى نفور فحقد. هذه العاطفة غريزة مفهومة السبب عند الإنسان العاقل، ومجهولة عند الحيوان غير العاقل.
هذه العاطفة تعد جاذبية؛ لأن الولد جاذب، والوالدين منجذبان، وهي ترادف الحنو، ولكنها تتضمن معنى الحب أيضا. الحنو عند الوالدين عظيم كالحب، والحب بين الزوجين أعظم من الحنو.
بقوة هذه العاطفة تعكف الأم على حضانة ولدها، ويكدح الأب حرصا على أولاد الأسرة.
अज्ञात पृष्ठ
الثانية: «عائلية» وهي نوعان: بنوية وأخوية، فالنوع الأول: هو رد فعل العطف الوالدي بمثله، كرد الصدى، فالولد ينعطف إلى أبويه لأنه يجد ريا لشهواته من نتائج حنوهما، ومتى صار يفهم الحياة يعلم أنهما سبب وجوده، ويرى فيهما مثلا لنفسه أيضا، والنوع الثاني: هو التعاطف المتبادل بين الإخوة اقتباسا من تعاطف الوالدين والبنين؛ فالولد حين يرى أن أبويه يعطفان على أخيه وأخته يحاكيهما في هذه العاطفة. ولعطف الأخ على الأخ رجع صدى أيضا للأسباب المتقدمة. ويمتد هذا التعاطف من بين الإخوة إلى ما بين أبناء الأعمام والخالات إلى جميع أعضاء الأسرة بنفس الأسباب المتقدمة؛ فالتجاذب متبادل بين أعضاء الأسرة، وكل منهم جاذب ومنجذب.
الثالثة: «اجتماعية» وهي أن يعطف الإنسان على مشابهيه؛ أي سائر قومه، لأنهم مماثلون بل مساوون له في الشخصية. فما هم حيوانات أحط منه ليترفع عليهم، ولا هم آلهة أرفع منه ليتهيبهم، بل هم مرآته يرى فيهم مجمل شخصيته.
هذا الضرب من العواطف والنزعة الاجتماعية التي تأصلت في الإنسان وصارت طبيعة أو غريزة فيه متفاعلان على الدوام؛ أي إن هذه العاطفة تقوي في الإنسان النزعة الاجتماعية، والنزعة الاجتماعية تقويها. تظهر هذه العاطفة أقل حدة من العاطفة الوالدية، ولكنها ليست أقل منها قيمة؛ لأن الإنسان يذعن بحكمها إلى التضامن والتعاون، ويخضع للقوانين والشرائع والأنظمة الاجتماعية وأحكام السلطة المسيطرة، واثقا أنه يشاطر الجماعة المنفعة والتمتع المشتركين بين أفراد الجماعة، ويفهم أن منفعته ولذته متوقفتان على منفعة الجماعة ولذتها؛ فالعائلة والجماعة متوازنتان قيمة تجاه العاطفة، وإن اختلفت هذه العاطفة تجاههما.
الرابعة: «وطنية» وهي عطف الفرد على مجموع الأمة أو الشعب أو القوم بصفة كونه جسما واحدا هو عضو فيه. وتختلف هذه العاطفة الوطنية عن العاطفة الاجتماعية بكون هذه بين فرد وفرد، وتلك بين فرد وكتلة الجماعة؛ فالمرء يشعر بقوة هذه العاطفة أنه مدين بكيانه وسعادته إلى وجود الجسم الاجتماعي، فإذا كان هذا الجسم متكتلا ملتحما جيدا كانت هذه العاطفة شديدة؛ قد تدفع المرء إلى التضحية لأجل الوطن.
الخامسة: «الشفقة، وهي مبالغة في العاطفة الاجتماعية» هي عاطفة إنسانية أوسع من العاطفة الوطنية، لا ينظر فيها إلى القومية ولا إلى القرابة بل إلى الإنسانية، فيتحرك عطفنا على أي شخص حين نشعر بألمه أو تعسه أو شقائه أو مظلوميته حتى ولو كنا نحن سببها، اللهم إذا كانت لنا نفس راقية في الإنسانية، ولنا طباع دمثة وقلب طاهر. تتحرك فينا هذه العاطفة لأننا نتصور أنفسنا في مكان المتألم أو التعس أو المظلوم أو المصاب بمصيبة. وهذه العاطفة تدفعنا إلى إنقاذه أو إسعافه أو مساعدته في أمره.
ويمكن أن تعد هذه العاطفة في جملة الانفعالات النفسانية التي سنتبسط فيها في الحرف التالي؛ لأنها تكون أحيانا انفعالا نفسانيا من أمر مكروه، بدل أن يثير فينا الخوف أو الغضب يثير الشفقة.
وبالإجمال نقول: إن العواطف أخلاق منجذبة نابضة من داخل النفس كالأميال الغريزية، ولكنها تختلف عنها بأنها لا تنبض إلا عند مؤثر خارجي، وتختلف عن الانفعالات النفسانية التي هي طائفة أخلاق دافعة لا جاذبة كما سترى. (3-2) العاطفة تجاه النفس - التجرد النفساني
للمرء عواطف ثانوية تتفرع من العواطف الرئيسية، فمنها ما يتجه نحو نفسه، ومنها ما يتجه نحو غيره، فالأولى نسميها التجرد النفساني؛ وهي أن يجرد المرء من نفسه شخصية نفسانية خاصة يستقل تصورها له عن ذاتيته العمومية. يجرد من شخصه شخصا آخر عقليا يرفعه أو يحطه حسب ما تفعل فيه العوامل الخارجية؛ فهي عاطفة منه نحو نفسه. وهي ثلاثة أنواع:
الأولى: «عزة النفس أو الشمم أو الكبر» خلق نفساني يستقل به عن الآخرين، كأنه أمر لا يعنيهم، بل يهم نفسه فقط، فلا يكلف الآخرين أن يفعلوه له؛ ولكنه يروم أن يعرفوه فيه، ويود أن يعترفوا له به، يبتغي أن يكون عزيز النفس في خلوته كما يبتغي هذا في حضرة غيره. بهذا الخلق يتنزه عن الدنايا، ويأنف ارتكاب الآثام، ويأبى أن يحط نفسه إلى من هم أدنى منه، أو أن يذلها إلى غيره.
والكبرياء: هي تطرف في الكبر والأنفة إلى حد الاستعلاء على الآخرين واحتقارهم. بها يتعدى المرء من نفسه إلى غيره؛ فهي نقيض العاطفة الذاتية. هي خلق متفرع من هذا الفرع.
अज्ञात पृष्ठ