واجتازا باب زويلة، إلى الشرابشيين، إلى سوق مرجوش، وتلبثا قليلا عند بركة الرطلي، ثم أمعنا في السير حتى انتهيا إلى قبة الأمير يشبك الدوادار بالمطرية ... ثم كرا راجعين من حيث أتيا قبل أن تنحدر الشمس إلى مغربها، فلما جاوزا باب الوزير شد طومان لجام فرسه، وأرهف أذنيه للسمع وطأطأ رأسه، ومشى الفرس يتهادى به وئيدا كأنه مزهو بفارسه الجميل، وحذا أبرك خطوات مولاه وعيناه تختلسان نظرات خاطفة إلى الشرفات ...
وخيل إلى طومان كأنه سمع مرة ثانية ذلك الصوت، فالتهبت وجنتاه كأن شعاعة عين قد لامست خديه ... وهمس أبرك قائلا: كأن قد عرفت يا مولاي ...
ولم يجب طومان، واستمرا في طريقهما إلى قصر الغوري ... وترجل طومان عن فرسه وولج الباب، وثنى أبرك عنان جواده راجعا من حيث أتى، فغاب درجة ثم عاد إلى مولاه لينبئه ... وكان في مجلس طومان وقتئذ جاني باي تاجر المماليك ... فآثر الغلام الصمت حتى يخلو بسيده المجلس ...
قال طومان لضيفه: وإذن فأنت لم تدع مصرباي لخاير بن ملباي؟
قال جاني باي: نعم يا سيدي، وأحسبها تعيش في قصر أقبردي الدوادار منذ عادت من صفد بعد موت زوجها كرت باي ...
ثم صمت برهة وعاد يقول: وللناس في شأنها أحاديث يتزيد فيها من يتزيد، ويقتصد من يقتصد، ولأهل مصر يا سيدي فن وبراعة في اختراع الأراجيف ...
واسترعى الحديث انتباه أبرك منذ جرى على لسان جاني باي ذكر أقبردي الدوادار، فأرهف أذنيه للسمع.
وقال طومان: لست أفهم ما تعني يا جاني باي: بماذا يتحدث الناس عن مصرباي؟
فأنغض رأسه وهو يقول: يزعمون يا سيدي أن لها شأنا مع سلطاننا الناصر بن قايتباي، وأن زوجها كرت باي لم يمت حتف أنفه ...
قال طومان: تعني أنها قتلته؟
अज्ञात पृष्ठ