يسأله هو عن أنباء جديدة! عندي أنباء لا عد لها ... الزواج أكبر خدعة، الزوجة تنقلب بعد أشهر شربة زيت خروع، لا تحزن على ما فاتك من مريم أيها السياسي الغر، أتريد أنباء أخرى؟! لدي منها الكثير لكنها على وجه اليقين لا تهمك ألبته، ثم إن الشجاعة تخونني إذا سولت لي نفسي إذاعتها على مسمع من زوجي، وما يدري إلا وهو يستشهد - في سره طبعا - بقول الشريف:
عندي رسائل شوق لست أذكرها
لولا «الرقيب» لقد بلغتها فاك
ثم تساءل بدوره: أي أنباء جديدة تعني؟
فقال فهمي باهتمام شديد: ذاع بين الطلبة نبأ عجيب كان حديثنا اليوم كله، وهو أن وفدا مصريا مكونا من سعد زغلول باشا وعبد العزيز فهمي بك وعلي شعراوي باشا توجه أمس إلى دار الحماية، وقابل نائب الملك للمطالبة برفع الحماية وإعلان الاستقلال.
ورفع ياسين حاجبيه في اهتمام ولاحت في عينيه نظرة شك مقرونة بالدهشة. لم يكن اسم سعد زغلول بالجديد عليه، وإن لم يجد وراء الاسم في نفسه شيئا ذا بال، اللهم إلا ذكريات غامضة اقترنت بحوادث أتى عليها النسيان من زمن، دون أن تترك في قلبه - الذي لا يكاد يعبأ بالأمور العامة - أثرا عاطفيا يدل عليها ولو من بعيد، إلا أن الاسمين الآخرين كانا يقعان في أذنه لأول مرة، بيد أن غرابة الأسماء ليست شيئا يذكر إلى جانب الحركة التي قام بها أصحابها إن صح ما يقول فهمي؛ إذ كيف يتصور أن يطالب الإنجليز غداة انتصارهم على الألمان والخلافة باستقلال مصر؟! وسأله: ماذا تعرف عن هؤلاء السادة؟
فقال فهمي بلهجة لا تخلو من امتعاض خليق بمن يود لو كان هؤلاء السادة من أعضاء الحزب الوطني: سعد زغلول وكيل الجمعية التشريعية، وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي عضوان بها، الحق أني لا أعرف شيئا عن الأخيرين، أما سعد فأكاد أكون عنه فكرة لا بأس بها مما ترامى إلي عن كثيرين من زملائي الطلبة الوطنيين الذين يختلفون فيه كثيرا، منهم من يعده ذنبا من أذناب الإنجليز، ولا شيء أكثر من هذا، ومنهم من يقر له بمزايا عظيمة جديرة بأن ترفعه إلى مصاف رجال الحزب الوطني أنفسهم. ومهما يكن من شأن فالخطوة التي أقدم عليها مع زميليه - ويقال إنه كان الداعي إليها كذلك - عمل مجيد لعله لا يوجد الآن من ينهض به مثله بعد نفي المبرزين من الوطنيين، وعلى رأسهم زعيمهم محمد فريد.
بدا ياسين جادا أن يظن به الآخر استهانة بحماسه، وردد قائلا وكأنه يسائل نفسه: المطالبة برفع الحماية وإعلان الاستقلال! - وسمعنا أيضا أنهم طالبوا بالسفر إلى لندن للسعي إلى الاستقلال، وأنهم لهذا القصد قابلوا السير «ريجنالد ونجت» نائب الملك!
لم يستطع ياسين أن يواصل مداراة حيرته، فأعلنها بأساريره وهو يسأله بصوت مرتفع بعض الشيء: الاستقلال! ... أتعني هذا حقا؟ ... ماذا تعني؟
فقال فهمي بلهجة عصبية: أعني إخراج الإنجليز من مصر، أو الجلاء كما عبر عنه مصطفى كامل ودعا إليه.
अज्ञात पृष्ठ