وعلى العاقل أن يجعل الناس طبقتين متباينتين، ويلبس لهم لباسين مختلفين:
فطبقة من العامة: يلبس لهم لباس انقباض وانحجاز وتحفظ في كل كلمة وخطوة.
وطبقة من الخاصة: يخلع عندهم لباس التشدد، ويلبس لباس الأنسة واللطف والبذلة والمفاوضة. ولا يدخل في هذه الطبقة إلا واحدا من ألف كلهم ذو فضل في الرأي، وثقة في المودة، وأمانة في السر ، ووفاء بالإخاء.
وعلى العاقل أن لا يستصغر شيئا من الخطإ في الرأي، والزلل في العلم، والإغفال في الأمور؛ فإنه من استصغر الصغير أوشك أن يجمع إليه صغيرا وصغيرا، فإذا الصغير كبير، وإنما هي ثلم يثلمها العجز والتضييع، فإذا لم تسد أوشكت أن تتفجر بما لا يطاق.
ولم نر شيئا قط إلا قد أوتي من قبل الصغير المتهاون به. قد رأينا الملك يؤتى من العدو المحتقر به، ورأينا الصحة تؤتى من الداء الذي لا يحفل به، ورأينا الأنهار تنبثق من الجدول الذي يستخف به. وأقل الأمور احتمالا للضياع الملك؛ لأنه ليس شيء يضيع - وإن كان صغيرا - إلا اتصل بآخر
पृष्ठ 32