فصدقوه لا شك أنه إفك وبهتان والمؤلف أولى بصفة الدس لأنه قد بذل جهده في دس الشبه والشكوك على المسلمين واستفرغ وسعه في تشكيكهم في الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ، وهو أيضًا أولى بصفة الغباوة والتغفيل لأنه قد قلد أبا رية في دسائسه وأباطيله وترهاته وتشكيكه في الأحاديث الصحيحة ووقيعته في الصحابة وتنقصه لهم، ومثل المؤلف مع أبي رية كمثل أعمى قد وضع يده في يد أعمى يقوده إلى مهاوي الهلاك والدمار، وقد قيل «قد ضل من كانت العميان تهديه».
الوجه الخامس قال الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإِمام أحمد في الكلام على حديث طلحة بن عبيد الله ﵁، هذا الحديث مما طنطن به ملحدو مصر وصنائع أوربة فيها من عبيد المستشرقين وتلامذة المبشرين فجعلوه أصلا يحتجون به على أهل السنة وأنصارها وخدام الشريعة وحماتها. إذا أرادوا أن ينفوا شيئا من السنة وأن ينكروا شريعة من شرائع الإِسلام في المعاملات وشؤون الاجتماع وغيرها يزعمون أن هذه من شؤون الدنيا يتمسكون برواية أنس «أنتم أعلم بأمر دنياكم» والله يعلم أنهم لا يؤمنون بأصل الدين ولا بالألوهية ولا بالرسالة ولا يصدقون القرآن في قرارة نفوسهم، ومن آمن إنما يؤمن لسانه ظاهرًا. ويؤمن قلبه فيما يخيل إليه لا عن ثقة وطمأنينة ولكن تقليدًا وخشية، فإذا ما جَدَّ الجِدّ وتعارضت الشريعة - الكتاب والسنة - مع ما درسوا في مصر أو في أوربة لم يترددوا في المفاضلة ولم يحجموا عن الاختيار، فضلوا ما أخذوه عن سادتهم، واختاروا ما أشربته قلوبهم. ثم ينسبون نفوسهم بعد ذلك أو ينسبهم الناس إلى الإِسلام.
والحديث واضح صريح لا يعارض نصًا ولا يدل على عدم الاحتجاج بالسنة في كل شأن لأن رسول الله لا ينطق عن الهوى. فكل ما جاء عنه فهو شرح وتشريع (وإن تطيعوه تهتدوا) وإنما كان في قصة تلقيح النخل أن قال لهم «ما أظن ذلك يغني شيئًا» فهو لم يأمر ولم ينه ولم يخبر عن الله ولم يسن في ذلك سنة حتى يتوسع في هذا المعنى إلى ما يهدم به أصل التشريع بل ظن ثم اعتذر عن ظنه قال «فلا تؤاخذوني بالظن» فأين هذا مما يرمي إليه أولئك. هدانا الله وإياهم سواء السبيل. انتهى.
فصل
وقال المؤلف في صفحة (٢٧) ما نصه
اختلاف واضح في موضوع واحد أورده البخاري في ثماني روايات مختلفة