A Righteous Response to the Vile Criminal
الرد القويم على المجرم الأثيم
प्रकाशक
الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٠٣ هـ
प्रकाशक स्थान
الرياض - المملكة العربية السعودية
शैलियों
الرد القويم على المجرم الأثيم
تأليف
الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري
غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين
الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
अज्ञात पृष्ठ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. الذي أنزل على عبده الكتاب والحكمة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي قال الله فيه (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على المعاندين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فقد رأيت كتابًا لبعض أهل الزيغ والفساد والإلحاد من العصريين، تهجم فيه على بعض الصحابة والتابعين وعلى مائة وعشرين حديثا في صحيح البخاري الذي هو أصح الكتب بعد القرآن وزعم أنها أحاديث إسرائيلية وأنه يكتسحها بالأضواء القرآنية ويطهر البخاري منها. وتهجم أيضا على غير ذلك من الأحاديث الصحيحة وقابلها بالرد والإنكار.
وقد سمى المؤلف نفسه بالسيد صالح أبي بكر، وليس بسيد ولا صالح ولا كرامة له ولا نعمة عين. لما رواه أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن بريدة ﵁ قال قال رسول الله ﷺ «لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيدًا فقد أسخطتم ربكم ﷿» ورواه الحاكم في مستدركه والبيهقي بنحوه وصححه الحاكم.
وفي تهجمه على بعض الصحابة والتابعين وعلى الأحاديث الصحيحة أوضح دليل على زيغه وفساد عقيدته وأنه ليس بصالح في الحقيقة.
وقد سمى الملحد كتابه «الأضواء القرآنية، في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخاري منها «وهو مطبوع في شركة مطابع محرم الصناعية في سنة ١٩٧٤ ميلادية، وقد جعله جزءين، تصدى في الجزء الأول للطعن في بعض الصحابة والتابعين والطعن في بعض الأحاديث الصحيحة أو الحسنة بالشبه الباطلة، وتصدى في الجزء الثاني للطعن في مائة وعشرين حديثا في صحيح البخاري. وكثيرا ما كان يعتمد على ظلمات الملحد أبي رية وشبهاته في كتابه الذي سماه «أضواء على السنة المحمدية» «أو دفاع عن الحديث» وهو في الحقيقة ظلمات بعضها فوق بعض ودفع للأحاديث الصحيحة واطراح لها، كما أن كلام الملحد الثاني في كتابه المسمى «بالأضواء القرآنية» كله شبهات وحمل لكتاب الله على غير محامله فهو في الحقيقة
1 / 1
ظلمات بعضها فوق بعض كما سأبينه إن شاء الله تعالى.
ومن تأمل كتابه لم يشك أنه محارب للإسلام والمسلمين وأنه إنما أراد بكتابه الطعن في الإسلام وأهل الإسلام. وإن أظهر ذلك في قالب الإصلاح فهو بلا شك ممن يسعى في الأرض فسادًا وإن كان يزعم لنفسه أنه مصلح. وقد قال الله تعالى مخبرًا عن سلف هذا الملحد (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما انحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) وهذه الآية الكريمة مطابقة لحال الملحد غاية المطابقة، طهر الله الأرض منه ومن أمثاله من المفسدين في الأرض إنه سميع مجيب.
وقد رأيت من الواجب الرد على أباطيل هذا الزائغ المفتري على الله وعلى رسوله ﷺ وتطهير الأحاديث الصحيحة في صحيح البخاري وغيره من كتب السنة من تلطيخ هذا الظالم المعتدي.
والله المسئول أن يريني وإخواني المسلمين الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فصل
وكل حديث صح إسناده إلى النبي ﷺ فالإيمان به واجب على كل مسلم وذلك من تحقيق الشهادة بأن محمدا رسول الله، وقد قال النبي ﷺ «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» رواه مسلم من حديث أبي هريرة ﵁.
ومن كذّب بشيء مما ثبت عن النبي ﷺ فهو ممن يشك في إسلامه لأنه لم يحقق الشهادة بأن محمدًا رسول الله، ومن تحقيقها تصديقه ﷺ فيما أخبر به.
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى إذا حدث الثقة عن الثقة إلى أن ينتهي إلى رسول الله ﷺ فهو ثابت ولا يترك لرسول الله ﷺ حديث أبدًا إلا حديث وجد عن رسول الله ﷺ آخر يخالفه انتهى.
1 / 2
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى كل ما جاء عن النبي ﷺ إسناد جيد أقررنا به وإذا لم نقر بما جاء به الرسول ﷺ ودفعناه ورددناه رددنا على الله أمره قال الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
وروى القاضي أبو الحسين في طبقات الحنابلة من طريق أبي بكر الآدمي المقري حدثنا الفضل بن زياد القطان قال سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول من رد حديث رسول الله ﷺ فهو على شفا هلكة.
وذكر محمد بن نصر المروزي ونقله عنه ابن حزم في كتابه الإحكام أن إسحاق بن راهويه قال من بلغه عن رسول الله ﷺ خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر.
وذكر القاضي أبو الحسين أيضا في ترجمة الحسن بن علي بن خلف أبي محمد البربهاري - وهو من أعيان العلماء في آخر القرن الثالث وأول القرن الرابع من الهجرة - أنه قال في كتابه «شرح السنة»، إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها أو ينكر شيئا من أخبار رسول الله ﷺ فاتهمه على الإسلام فإنه رجل رديء المذهب والقول وإنما يطعن على رسول الله ﷺ وعلى أصحابه لإِنا إنما عرفنا الله وعرفنا رسوله ﷺ وعرفنا القرآن وعرفنا الخير والشر والدنيا والآخرة بالآثار، وإن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن.
وقوله إن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن معناه أن السنة تفسر القرآن وتبين معانيه وما أراد الله به فلهذا كان القرآن محتاجا إلى السنة قال الله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم).
وقال البربهاري أيضا ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله ﷿ أو يرد شيئا من آثار رسول الله ﷺ أو يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام.
وقال البربهاري أيضا من رد آية من كتاب الله فقد رد الكتاب كله ومن رد حديثا عن رسول الله ﷺ فقد رد الأثر كله وهو كافر بالله العظيم.
وقال البربهاري أيضا واعلم أنه ليس بين العبد وبين أن يكون كافرًا إلا أن
1 / 3
يجحد شيئا مما أنزل الله أو يزيد في كلام الله أو ينقص أو ينكر شيئا مما قال الله ﷿ أو شيئا مما تكلم به رسول الله ﷺ.
وقال البربهاري أيضا وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام ولا شك أنه صاحب هوى مبتدع.
وقال البربهاري أيضا وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة فقم من عنده ودعه.
وقال البربهاري أيضا ومن جحد أو شك في حرف من القرآن أو في شيء جاء عن رسول الله ﷺ لقي الله مكذبا. انتهى ملخصا مما ذكره صاحب طبقات الحنابلة.
وذكر القاضي أبو الحسين أيضا في ترجمة إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا أنه قال من خالف الأخبار التي نقلها العدل عن العدل موصولة بلا قطع في سندها ولا جرح في ناقليها وتجرأ على ردها فقد تهجم على رد الإسلام لأن الإسلام وأحكامه منقولة إلينا بمثل ما ذكرت انتهى.
وقال الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري في كتابه «مقالات الإسلاميين» جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله ﷺ لا يردون من ذلك شيئا انتهى.
وهذا حكاية إجماع من أهل الحديث والسنة على الإقرار بما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله ﷺ وأنهم لا يردون من ذلك شيئا، والعبرة بأهل الحديث والسنة ولا عبرة بمن خالفهم من أهل الأهواء والبدع والضلالة والجهالة.
وقال الموفق أبو محمد المقدسي في كتابه «لمعة الاعتقاد» ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله ﷺ وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا نعلم أنه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث الإسراء والمعراج، ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم ﵇ فيقتله وخروج يأجوج ومأجوج وخروج الدابة وطلوع الشمس من
1 / 4
مغربها وأشباه ذلك مما صح به النقل انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه «إعلام الموقعين» والذي ندين به ولا يسعنا غيره أن الحديث إذا صح عن رسول الله ﷺ ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان لا راويه ولا غيره انتهى المقصود من كلامه.
فصل
وتكذيب الأحاديث الصحيحة ليس بالأمر الهين ولا سيما ما ثبت في الصحيحين أو في أحدهما، وقد قال الهيثمي في مجمع الزوائد «باب فيمن كذب بما صح من الحديث» ثم ذكر حديث جابر ﵁ قال قال رسول الله ﷺ «من بلغه عني حديث فكذب به فقد كذب ثلاثة، الله ورسوله والذي حدث به» رواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي وفيه محفوظ بن ميسور ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا انتهى.
وهذا الحديث وإن لم يبلغ درجة الصحيح فمعناه صحيح لأن من كذب حديثا صحيحا فلا شك أنه قد كذب الله تعالى في قوله مخبرا عن نبيه ﷺ (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وقد كذب النبي ﷺ حيث رد ما ثبت عنه برواية الثقات الأثبات. وقد كذب الرواة الثقات الذين حفظوا أحاديث النبي ﷺ وبلغوها إلى الأمة، ومن كذب أهل الصدق والعدالة فهو الكاذب في الحقيقة.
فصل
وقد ورد التشديد في معارضة السنة بالقرآن وذلك فيما رواه الإمام أحمد عن أبي رافع ﵁ عن النبي ﷺ قال «لا أعرفن ما يبلغ أحدكم من حديثي شيء وهو متكئ على أريكته فيقول ما أجد هذا في كتاب الله تعالى» في إسناده ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه كلام وبقية رجاله ثقات. وقد رواه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة بنحوه.
ورواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط الشيخين ولفظه عن النبي صلى الله
1 / 5
عليه وسلم قال «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» ورواه الترمذي وابن ماجه والحاكم في مستدركه وأبو بكر الآجري في كتاب الشريعة بنحوه وقال الترمذي هذا حديث حسن وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه قال رسول الله ﷺ «لا أعرفن الرجل يأتيه الأمر من أمري إما أمرت به وإما نهيت عنه فيقول ما ندري ما هذا عندنا كتاب الله ليس هذا فيه».
وفي رواية للحاكم أن رسول الله ﷺ قال والناس حوله «لا أعرفن أحدكم يأتيه أمر من أمري قد أمرت به أو نهيت عنه وهو متكئ على أريكته فيقول ما وجدنا في كتاب الله عملنا به وإلا فلا».
وعن المقدام بن معد يكرب الكندي ﵁ قال قال رسول الله ﷺ «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه» الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وأبو بكر الآجري في كتاب الشريعة وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب وصححه الحاكم وأقره الذهبي.
ولفظه عند ابن ماجه قال رسول الله ﷺ «يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله ﷿ فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله ﷺ مثل ما حرم الله» ورواه الترمذي والدارمي بهذا اللفظ، وفي رواية ابن حبان أن رسول الله ﷺ قال «إني أوتيت الكتاب وما يعدله» وذكر بقية الحديث بنحو ما تقدم.
وقد بوب الترمذي على هذا الحديث وحديث أبي رافع بقوله «باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث رسول الله ﷺ» وبوب عليه ابن ماجه بقوله «باب تعظيم حديث رسول الله ﷺ والتغليظ على من عارضه»
1 / 6
وترجم عليه ابن حبان بقوله «ذكر الخبر المصرح بأن سنن المصطفى ﷺ كلها عن الله لا من تلقاء نفسه». وبوب عليه الآجري بقوله «باب التحذير من طوائف تعارض سنن النبي ﷺ بكتاب الله ﷿ وشدة الإنكار على هذه الطبقة».
قوله ﷺ «ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول عليكم بالقرآن» قال الخطابي ونقله عنه ابن الأثير في جامع الأصول أنه ﷺ يحذر بهذا القول من مخالفة السنن التي سنها هو مما ليس في القرآن. وإنما أراد بالأريكة صفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم من مظانه انتهى.
وعن أبي هريرة ﵁ قال قال رسول الله ﷺ «لا أعرفن أحدا منكم أتاه عني حديث وهو متكئ على أريكته فيقول اتل به قرآنًا» رواه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة. وقد رواه ابن ماجه بإِسناد رجاله كلهم ثقات ولفظه قال «لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث وهو متكئ على أريكته فيقول اقرأ قرآنا. ما قيل من قول حسن فأنا قلته».
وعن الحسن قال بينما عمران بن حصين يحدث عن سنة نبينا ﷺ إذ قال له رجل يا أبا نجيد حدثنا بالقرآن فقال له عمران أنت وأصحابك تقرءون القرآن أكنت محدثي عن الصلاة وما فيها وحدودها أكنت محدثي عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال ولكن قد شهدت وغبت أنت ثم قال فرض علينا رسول الله ﷺ في الزكاة كذا وكذا فقال الرجل أحييتني أحياك الله قال الحسن فما مات ذلك الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين. رواه الحاكم في مستدركه وصححه وأقره الذهبي.
وقد رواه مسدد كما في «المطالب العالية» ولفظه قال بينما عمران بن حصين وعنده أصحاب له يحدثهم فقال رجل لا تحدثنا إلا بالقرآن - أو لا نريد إلا القرآن - فقال أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد صلاة الظهر أربعا وصلاة العصر أربعا وصلاة المغرب ثلاثا تقرأ في الركعتين الأوليين، أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد في كل مائتين من الغنم خمسا وفي الإبل كذا وكذا وفي البقر كذا وكذا. أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد
1 / 7
الطواف بالبيت أسبوعا وبين الصفا والمروة كذا وكذا.
وعن أبي نضرة عن عمران بن حصين ﵄ أنه قال لرجل أنك إحمق أتجد في كتاب الله ﷿ الظهر أربعا لا يجهر فيها بالقراءة ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحوهما ثم قال أتجد هذا في كتاب الله ﷿ مفسرا إن كتاب الله جل وعلا أحكم ذلك وإن السنة تفسر ذلك رواه الآجري في كتاب الشريعة.
وعن سعيد بن جبير أنه حدث يوما بحديث عن النبي ﷺ فقال رجل في كتاب الله ما يخالف هذا قال ألا أراني أحدثك عن رسول الله ﷺ وتعرض فيه بكتاب الله كان رسول الله ﷺ أعلم بكتاب الله منك، رواه الدارمي في سننه ورواته ثقات. وقد رواه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة بنحوه.
وعن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى محرما عليه ثيابه فنهر المحرم فقال ائتني بآية من كتاب الله ﷿ بنزع ثيابي فقرأ عليه (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) رواه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة.
وعن بكير بن عبد الله بن الأشج قال أن عمر بن الخطاب ﵁ قال «سيأتي ناس يجادلونكم بشبه القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله ﷿» رواه الدارمي وأبو بكر الآجري في كتاب الشريعة.
وعن يحيى بن أبي كثير قال «السنة قاضية على القرآن وليس القرآن بقاض على السنة» رواه الدارمي في سننه ورواته ثقات.
وعن حسان - وهو ابن عطية أحد التابعين - قال كان جبريل ينزل على النبي ﷺ بالسنة كما ينزل بالقرآن» رواه الدارمي في سننه ورجاله رجال الصحيح.
ويدل لهذا قول الله تعالى (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) قال ابن كثير الكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة انتهى. وقوله تعالى (واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به) قال ابن جرير في قوله (والحكمة) يعني وما أنزل عليكم من الحكمة وهي السنن التي علمكموها رسول الله ﷺ وسنها لكم. وقال ابن كثير في قوله (وما أنزل عليكم من الكتاب) يعني القرآن
1 / 8
(والحكمة) يعني السنة وقيل مواعظ القرآن، وقال تعالى مخبرًا عن إبراهيم وإسماعيل أنهما قالا (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة) قال ابن كثير في قوله (ويعلمهم الكتاب) يعني القرآن (والحكمة) يعني السنة قاله الحسن وقتادة ومقاتل بن حيان وأبو مالك. وقيل الفهم في الدين ولا منافاة انتهى. وقال تعالى (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة) قال ابن كثير الكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة. وقال ابن جرير يعني بالحكمة السنن والفقه في الدين انتهى.
ونقل البيهقي في كتابه المدخل عن الشافعي أنه قال سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله ﷺ. ثم روى بأسانيده عن الحسن وقتادة ويحيى بن أبي كثير أنهم قالوا الحكمة في هذه الآية السنة انتهى.
وقد ثبت في قضايا كثيرة أن النبي ﷺ كان إذا سئل عن الشيء الذي لا علم له به نزل عليه الوحي ببيان ذلك. وفي كل منها دليل لما قاله حسان بن عطية.
قال ابن حزم في كتاب الأحكام. لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله ﷺ ووجدناه ﷿ يقول فيه واصفا لرسوله ﷺ (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله ﷿ إلى رسوله ﷺ على قسمين أحدهما وحي متلو مؤلف تأليفا معجز النظام وهو القرآن، والثاني وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام ولا متلو لكنه مقروء وهو الخبر الوارد عن رسول الله ﷺ وهو المبين عن الله ﷿ مراده منا قال الله تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم) ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا القسم الثاني كما أوجب طاعة القسم الأول الذي هو القرآن ولا فرق فقال تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) فكانت الأخبار التي ذكرنا أحد الأصول الثلاثة التي ألزمنا طاعتها في الآية الجامعة لجميع الشرائع أولها وآخرها وهي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله) فهذا أصل وهو القرآن، ثم قال تعالى (وأطيعوا الرسول) فهذا ثان وهو الخبر عن رسول الله ﷺ. ثم قال تعالى (وأولي الأمر منكم) فهذا ثالث وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله حكمه، وصح لنا بنص القرآن أن
1 / 9
الأخبار هي أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع قال تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) انتهى.
وقال ابن حزم أيضا في كتاب الأحكام جاء النص ثم لم يختلف فيه مسلمان في أن ما صح عن رسول الله ﷺ أنه قاله ففرض اتباعه وأنه تفسير لمراد الله تعالى في القرآن وبيان لمجمله انتهى.
وقد تقدم في الفصل الأول قول البربهاري إذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة انتهى.
وقال أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة ينبغي لأهل العلم والعقل إذا سمعوا قائلا يقول قال رسول الله ﷺ في شيء قد ثبت عند العلماء فعارض إنسان جاهل فقال لا أقبل إلا ما كان في كتاب الله ﷿ قيل له أنت رجل سوء وأنت ممن حذرناك رسول الله ﷺ وحذر منك العلماء. وقيل له يا جاهل إن الله ﷿ أنزل فرائضه جملة وأمر نبيه ﷺ أن يبين للناس ما أنزل إليهم قال الله ﷿ (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) فأقام الله ﷿ نبيه ﷺ مقام البيان عنه وأمر الخلق بطاعته ونهاهم عن معصيته وأمرهم بالانتهاء عما نهاهم عنه وقال ﷿ (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ثم حذرهم أن يخالفوا أمر الرسول ﷺ فقال ﷿ (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم) وقال ﵎ (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ثم فرض على الخلق طاعته ﷺ في نيف وثلاثين موضعا من كتابه ﷿.
وقيل لهذا المعارض لسنن الرسول ﷺ يا جاهل قال الله ﷿ (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) أين تجد في كتاب الله ﷿ أن الفجر ركعتان وأن الظهر أربع وأن العصر أربع وأن المغرب ثلاث وأن العشاء أربع وأين تجد أحكام الصلاة ومواقيتها وما يصلحها وما يبطلها إلا من سنن رسول الله ﷺ، ومثلها الزكاة أين تجد في كتاب الله ﷿ من مائتي درهم خمسة دراهم ومن عشرين دينارا نصف دينار ومن أربعين شاة شاة ومن خمس من الإِبل شاة، ومن جميع أحكام الزكاة أين تجدها في كتاب الله ﷿. وكذلك جميع فرائض الله ﷿ التي فرضها الله جل وعلا في كتابه لا يعلم الحكم فيها إلا بسنن الرسول صلى
1 / 10
الله عليه وسلم. هذا قول علماء المسلمين ومن قال غير هذا خرج عن ملة الإِسلام ودخل في ملة الملحدين، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وفيما ذكرته أبلغ رد على الملحد الجاهل صالح أبي بكر وعلى أمثاله من الملحدين الذين يردون الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ ويعارضونها بالشبه والآراء والأهواء.
فصل
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه «إعلام الموقعين» وقد صنف الإِمام أحمد ﵁ كتابا في طاعة الرسول ﷺ رد فيه على من احتج بظاهر القرآن في معارضة سنن رسول الله ﷺ وترك الاحتجاج بها فقال في أثناء خطبته. إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه بعث محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه وجعل رسوله الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه وخاصه وعامه وناسخه ومنسوخه وما قصد له الكتاب فكان رسول الله ﷺ هو المعبر عن كتاب الله الدال على معانيه. شاهده في ذلك أصحابه الذين ارتضاهم الله لنبيه واصطفاهم له ونقلوا ذلك عنه فكانوا هم أعلم الناس برسول الله ﷺ وبما أراد الله من كتابه بمشاهدتهم وما قصد له الكتاب فكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول الله ﷺ. قال جابر ﵁، ورسول الله ﷺ بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا. ثم ساق الآيات الدالة على طاعة الرسول ﷺ إلى أن قال - ثم ذكر أحمد الاحتجاج على إبطال قول من عارض السنن بظاهر القرآن وردها بذلك.
قال ابن القيم وهذا فعل الذين يستمسكون بالمتشابه في رد المحكم فإن لم يجدوا لفظا متشابها غير المحكم يردونه به استخرجوا من المحكم وصفا متشابها وردوه به فلهم طريقان في رد السنن أحدهما ردها بالمتشابه من القرآن أو من السنن، الثاني جعلهم المحكم متشابها ليعطلوا دلالته، وأما طريقة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث كالشافعي
1 / 11
وأحمد مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف والبخاري وإسحاق فعكس هذه الطريق وهي أنهم يردون المتشابه إلى المحكم ويأخذون من المحكم ما يفسر لهم المتشابه ويبينه لهم فتتفق دلالته مع دلالة المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضا ويصدق بعضها بعضا فإِنها كلها من عند الله وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى.
وقال ابن القيم أيضا في كتابه «إعلام الموقعين» ولو كان كل ما أوجبته السنة ولم يوجبه القرآن نسخا له لبطل أكثر سنن رسول الله ﷺ ودفع في صدورها وأعجازها وقال القائل هذه زيادة على ما في كتاب الله فلا تقبل ولا يعمل بها.
وهذا بعينه هو الذي أخبر رسول الله ﷺ أنه سيقع وحذر منه كما في السنن من حديث المقدام بن معد يكرب عن النبي ﷺ أنه قال «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه» وفي لفظ «يوشك أن يقعد الرجل على أريكته فيحدث بحديثي فيقول بيني وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه وإن ما حرم رسول الله ﷺ كما حرم الله» قال الترمذي حديث حسن وقال البيهقي إسناده صحيح.
وقال صالح بن موسى عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ «إني قد خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» فلا يجوز التفريق بين ما جمع الله بينهما ويرد أحدهما بالآخر - إلى أن قال - والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه أحدها أن تكون موافقة له من كل وجه فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها، الثاني أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرًا له، الثالث أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه ولا تخرج عن هذه الأقسام فلا تعارض القرآن بوجه ما. فما كان منها زائدًا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي ﷺ تجب طاعته فيه ولا تحل معصيته وليس هذا تقديما لها على كتاب الله بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله، ولو
1 / 12
كان رسول الله ﷺ لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى وسقطت طاعته المختصة به. وأنه إذا لم تجب إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به وقد قال الله تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله).
وكيف يمكن أحدًا من أهل العلم أن لا يقبل حديثا زائدًا على كتاب الله فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا حديث التحريم بالرضاعة. لكل ما يحرم من النسب ولا حديث خيار الشرط ولا أحاديث الشفعة ولا حديث الرهن في الحضر مع أنه زائد على ما في القرآن ولا حديث ميراث الجدة ولا حديث تخيير الأمة إذا عتقت تحت زوجها ولا حديث منع الحائض من الصوم والصلاة ولا حديث وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان ولا أحاديث إحداد المتوفى عنها زوجها مع زيادتها على ما في القرآن من العدة - ثم ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أمثلة كثيرة من الأحاديث التي أخذ الناس بها وهي زائدة على ما في القرآن إلى أن قال - بل أحكام السنة التي ليست في القرآن إن لم تكن أكثر منها لم تنقص عنها فلو ساغ لنا رد كل سنة كانت زائدة على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله ﷺ كلها إلا سنة دل عليها القرآن وهذا هو الذي أخبر النبي ﷺ بأنه سيقع ولا بد من وقوع خبره - إلى أن قال - والله سبحانه ولاه منصب التشريع عنه ابتداء كما ولاه منصب البيان لما أراد بكلامه، بل كلامه كله بيان عن الله والزيادة بجميع وجوهها لا تخرج عن البيان بوجه من الوجوه، بل كان السلف الصالح الطيب إذا سمعوا الحديث عنه وجدوا تصديقه في القرآن ولم يقل أحد منهم قط في حديث واحد أبدًا أن هذه زيادة على القرآن فلا نقبله ولا نسمعه ولا نعمل به، ورسول الله ﷺ أجل في صدورهم وسنته أعظم عندهم من ذلك وأكبر انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى.
فصل
وقد كان السف الصالح يعظون السنة غاية التعظيم وينكرون أشد الإِنكار على الذين يتهاونون بالأحاديث الصحيحة وعلى الذين يعارضونها بأقوال الناس وآرائهم وربما هجروا بعضهم إلى الممات. وقد روى مسلم في صحيحه عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر ﵄ قال سمعت رسول الله ﷺ يقول
1 / 13
«لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها» قال فقال بلال بن عبد الله والله لنمنعهن قال فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط وقال أخبرك عن رسول الله ﷺ وتقول والله لنمنعهن، وفي رواية له عن مجاهد أنه ضرب في صدره. وقد روى البخاري المرفوع منه فقط. ورواه الإِمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وغيرهم بنحو رواية مسلم. وروى أبو داود الطيالسي رواية مجاهد وقال فرفع يده فلطمه فقال أحدثك عن رسول الله ﷺ وتقول هذا، وفي رواية لأحمد فما كلمه عبد الله حتى مات.
قال النووي فيه تعزير المعترض على السنة والمعارض لها برأيه، وفيه تعزير الوالد ولده وإن كان كبيرًا انتهى.
وفيه أيضا جواز التأديب بالهجران قاله الحافظ ابن حجر وفي مستدرك الحاكم عن عمرو بن مسلم قال خذف رجل عند ابن عمر ﵄ فقال لا تخذف فإني سمعت رسول الله ﷺ «ينهى عن الخذف» ثم رآه ابن عمر ﵄ بعد ذلك يخذف فقال أنبأتك أن النبي ﷺ ينهى عن الخذف ثم خذفت والله لا أكلمك أبدًا.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن بريدة قال رأى عبد الله بن المغفل ﵁ رجلا من أصحابه يخذف فقال له لا تخذف فإن رسول الله ﷺ كان يكره أو قال ينهى عن الخذف فإِنه لا يصاد به الصيد ولا ينكأ به العدو ولكنه يكسر السن ويفقأ العين ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له أخبرك أن رسول الله ﷺ كان يكره أو ينهى عن الخذف ثم أراك تخذف لا أكلمك كلمة كذا وكذا، هذا لفظ مسلم. وقد رواه الدارمي في سننه بنحوه وقال فيه والله لا أكلمك أبدا، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه الإِمام أحمد وأبو داود مختصرا. ورواه مسلم أيضا وابن ماجه من حديث سعيد بن جبير أن قريبا لعبد الله بن مغفل ﵁ خذف قال فنهاه وقال إن رسول الله ﷺ «نهى عن الخذف وقال إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوًا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين» قال فعاد فقال أحدثك أن رسول الله ﷺ نهى ثم تخذف لا أكلمك أبدًا. هذا لفظ مسلم. وفي رواية ابن ماجه أن عبد الله بن مغفل ﵁ كان جالسا
1 / 14
إلى جنب ابن أخ له فخذف فنهاه وذكر تمام الحديث بنحو رواية مسلم وفيه قال لا أكلمك أبدًا.
وروى الدارمي في سننه عن خراش بن جبير قال رأيت في المسجد فتى يخذف فقال له شيخ لا تخذف فإني سمعت رسول الله ﷺ «ينهى عن الخذف» فغفل الفتى فظن أن الشيخ لا يفطن له فخذف فقال له الشيخ أحدثك أني سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن الخذف ثم تخذف والله لا أشهد لك جنازة ولا أعودك في مرض ولا أكلمك أبدًا.
وروى الدارمي أيضا عن أيوب عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن مغفل ﵁ قال «نهى رسول الله ﷺ عن الخذف وقال إنها لا تصطاد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين» فرفع رجل بينه وبين سعيد قرابة شيئا من الأرض فقال هذه وما تكون هذه فقال سعيد ألا أراني أحدثك عن رسول الله ﷺ ثم تهاون به لا أكلمك أبدًا، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وروى الدارمي أيضا عن قتادة قال حدث ابن سيرين رجلا بحديث عن النبي ﷺ فقال رجل قال فلان كذا وكذا فقال ابن سيرين أحدثك عن النبي ﷺ وتقول قال فلان كذا وكذا لا أكلمك أبدًا. إسناده جيد رجاله كلهم ثقات.
قال النووي في الكلام على حديث عبد الله بن مغفل ﵁ فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم وأنه يجوز هجرانه دائما. والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا. وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائما، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه انتهى.
وفي سنن ابن ماجه أن عبادة بن الصامت ﵁ غزى مع معاوية ﵁ أرض الروم فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير وكسر
1 / 15
الفضة بالدراهم فقال يا أيها الناس إنكم تأكلون الربا سمعت رسول الله ﷺ يقول «لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل لا زيادة بينهما ولا نظرة» فقال له معاوية يا أبا الوليد لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة فقال عبادة أحدثك عن رسول الله ﷺ وتحدثني عن رأيك لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك عليّ فيها إمرة فلما قفل لحق بالمدينة فقال له عمر بن الخطاب ﵁ ما أقدمك يا أبا الوليد فقص عليه القصة وما قال من مساكنته فقال ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك وكتب إلى معاوية لا إمرة لك عليه واحمل الناس على ما قال فإِنه هو الأمر.
ورواه الدارمي في سننه مختصرًا ولفظه عن أبي المخارق قال ذكر عبادة بن الصامت رضي الله عه أن النبي ﷺ نهى عن درهمين بدرهم فقال فلان ما أرى بهذا بأسا يدًا بيد فقال عبادة أقول قال النبي ﷺ وتقول لا أرى به بأسا والله لا يظلني وإياك سقف أبدًا.
وفي هذا الحديث جواز هجر من خالف السنة وعارضها برأيه وروى مالك في الموطأ والشافعي في مسنده من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان ﵄ باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال أبو الدرداء ﵁ سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل فقال له معاوية ما أرى بمثل هذا بأسا فقال أبو الدراء ﵁ من يعذرني من معاوية أنا أخبره عن رسول الله ﷺ ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أنت بها ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب ﵁ فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب ﵁ إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن.
قوله فقال أبو الدرداء ﵁ من يعذرني من معاوية إلى آخره قال ابن عبد البر كان ذلك منه أنفة من أن يرد عليه سنة علمها من رسول الله ﷺ برأيه، وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي. قال وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة ألا ترى أن رسول الله ﷺ أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن تبوك. قال وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع
1 / 16
الكلام عنه. وقد رأى ابن مسعود ﵁ رجلا يضحك في جنازة فقال والله لا أكلمك أبدًا. انتهى كلام ابن عبد البر رحمه الله تعالى.
وهذا الأثر الذي ذكره عن ابن مسعود ﵁ قد رواه الإِمام أحمد في كتاب الزهد فقال حدثنا سفيان حدثنا عبد الرحمن بن حميد سمعه من شيخ من بني عبس أبصر عبد الله رجلا يضحك في جنازة فقال تضحك في جنازة لا أكلمك أبدًا.
وفي المسند بإِسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﵄ قال تمتع النبي ﷺ فقال عروة بن الزبير نهى أبو بكر وعمر عن المتعة فقال ابن عباس ﵄ ما يقول عرية قال يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة فقال ابن عباس ﵄ أراهم سيهلكون أقول قال النبي ﷺ ويقولون نهى أبو بكر وعمر.
وإذا كان هذا قول ابن عباس ﵄ لمن عارض قول النبي ﷺ بقول أبي بكر وعمر ﵄ فكيف بمن اطرح الأحاديث الصحيحة ونبذها وراء ظهره ولم يعبأ بها مثل صالح أبي بكر وأشباهه من الملحدين فهؤلاء أولى بالإِنكار الشديد والتأديب الذي يردعهم عن معارضة الأحاديث الصحيحة والاستهانة بها والله المستعان.
وروى الإِمام أحمد والبخاري والنسائي عن الزبير بن عربي قال سأل رجل ابن عمر ﵄ عن استلام الحجر فقال رأيت رسول الله صلى عليه وسلم يستلمه ويقبله قال قلت أرأيت إن زحمت أرأيت إن غلبت قال اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله ﷺ يستلمه ويقبله.
وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا الزبير بن العربي قال سألت ابن عمر ﵄ عن المزاحمة على الحجر فقال رأيت رسول الله ﷺ يستلمه ويقبله فقلت أرأيت أن أغلب أو أزحم قال اجعل أرأيت مع ذلك الكوكب رأيت رسول الله ﷺ يقبله ويستلمه.
قوله اجعل أرأيت باليمن قال الحافظ بن حجر في فتح الباري إنما قال له ذلك لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه ذلك وأمره إذا سمع الحديث أن
1 / 17
يأخذ به ويتقي الرأي انتهى.
وروى الدارقطني بإِسناد صحيح عن ابن عمر ﵄ قال قال رسول الله ﷺ «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإِنه لا يدري أين باتت يده منه أو أين طافت يده» فقال له رجل أرأيت إن كان حوضا فحصبه ابن عمر وقال أخبرك عن رسول الله ﷺ وتقول أرأيت إن كان حوضا. وقد رواه ابن ماجه مختصرا ولم يذكر قصة الرجل مع ابن عمر وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وإنما حصب ابن عمر ﵄ الرجل لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه وحصبه.
وروى الإِمام أحمد بإِسناد صحيح والبيهقي عن أبي هريرة ﵁ قال قال رسول الله ﷺ «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليفرغ على يديه من إنائه ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده» فقال له قيس الأشجعي فإِذا جئنا مهراسكم هذا فكيف نصنع به فقال أبو هريرة أعوذ بالله من شرك. هذا لفظ البيهقي.
وإنما تعوذ أبو هريرة ﵁ من شره لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه ذلك وتعوذ بالله من شره.
وقال الترمذي في جامعه «باب ما جاء في اشعار البدن» حدثنا أبو كريب أخبرنا وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ «قلد نعلين وأشعر الهدي في الشق الأيمن بذي الحليفة وأماط عنه الدم» قال الترمذي حديث حسن صحيح. قال والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم يرون الإشعار وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. قال سمعت يوسف بن عيسى يقول سمعت وكيعا يقول حين روى هذا الحديث فقال لا تنظروا إلى قول أهل الرأي في هذا فإن الإِشعار سنة وقولهم بدعة. قال سمعت أبا السائب يقول كنا عند وكيع فقال لرجل ممن ينظر في الرأي أشعر رسول الله ﷺ ويقول أبو حنيفة هو مثلة، قال الرجل فإِنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال الإِشعار مثلة قال فرأيت وكيعا غضب غضبا شديدا وقال أقول لك قال رسول الله ﷺ وتقول قال إبراهيم ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا.
1 / 18
وقال الشافعي في كتاب الرسالة أخبرني أبو حنيفة سماك بن الفضل الشيباني قال حدثني ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي شريح الكعبي ﵁ أن رسول الله ﷺ قال عام الفتح «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود» فقلت لابن أبي ذئب أتأخذ بهذا يا أبا الحارث فضرب صدري وصاح عليّ صياحا كثيرا ونال مني وقال أحدثك عن رسول الله ﷺ وتقول تأخذ به. نعم آخذ به وذاك الفرض عليّ وعلى من سمعه. إن الله ﷿ اختار محمدًا ﷺ من الناس فهداهم به وعلى يديه واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين لا مخرج لمسلم من ذلك. قال وما سكت عني حتى تمنيت أن يسكت.
وقال الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل قال بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث «البيعان بالخيار» فقال يستتاب في الخيار فإِن تاب وإلا ضربت عنقه، قال أحمد ومالك لم يرد الحديث ولكن تأوله على غير ذلك، فقال شامي من أعلم مالك أو ابن أبي ذئب فقال ابن أبي ذئب في هذا أكثر من مالك وابن أبي ذئب أصلح في بدنه وأورع وأقوم بالحق من مالك عند السلاطين انتهى من طبقات الحنابلة.
وإذا كان هذا قول ابن أبي ذئب في الإِمام مالك حين تأول حديثا واحدًا على غير تأويله فكيف بأدعياء العلم من العصريين الذين يردون المئات من الأحاديث الصحيحة وينبذونها وراء ظهورهم زاعمين كذبا وزورًا أنها أحاديث إسرائيلية تخالف القرآن فهؤلاء أولى أن يستتابوا فإِن تابوا وإلا ضربت أعناقهم. والله المسئول أن يبعث لدينه وأحاديث رسوله ﷺ أنصارًا يجاهدون أهل الزيغ والفساد ولا تأخذهم في الله لومة لائم.
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب حدثني محمد بن عبيد بن ميمون حدثني عبد الله بن إسحاق الجعفري قال كان عبد الله بن الحسن يكثر الجلوس إلى ربيعة قال فتذاكروا يوما السنن فقال رجل كان في المجلس ليس العمل على هذا فقال عبد الله أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام أفهم الحجة على السنة فقال ربيعة أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء ذكره ابن القيم في كتابه «إغاثة اللهفان».
1 / 19