ألسنتهم ، ووافق سرهم علنهم ، وفعلهم قولهم ، ثم ثنى بطريق التقابل والتضاد بالذين محضوا الكفر ظاهرا وباطنا ، قلوبا وألسنة ، فثلث بالذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، وأبطنوا خلاف ما أظهروا ، وهم الذين قال فيهم : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) (1) وسماهم المنافقين ، وكانوا أخبث الكفرة وأبغضهم إليه وأمقتهم عنده ، لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليسا ، وبالشرك استهزاء وخداعا ، ولذلك أنزل فيهم : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) (2) ووصف حال الذين كفروا في آيتين ، وحال الذين نافقوا في ثلاث عشرة آية هي أشأم الأعداد عرفا ، فنعى عليهم فيها خبثهم ومكرهم ، وفضحهم وسفههم ، واستجهلهم واستهزأ بهم ، وسجل بطغيانهم وعمههم ، ودعاهم صما وبكما وعميا ، وضرب لهم الأمثال الشنيعة ، فعطفهم على قصة الذين كفروا كما تعطف الجملة على الجملة فقال : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ).
الناس أصله أناس ، لقولهم : إنسان وإنس وأناسي ، فحذفت الهمزة وعوض عنها حرف التعريف ، ولذلك لا يكاد يجمع بينهما. وهو اسم جمع ، إذ لم يثبت فعال من أبنية الجمع. مأخوذ من إنس ، لأنهم يستأنسون بأمثالهم ، أو : آنس ، لأنهم ظاهرون مبصرون ، ولذلك سموا : بشرا ، كما سمي الجن جنا لاجتنانهم. واللام فيه للجنس ، و «من» موصوفة ، إذ لا عهد ، وكأنه قال : ومن الناس ناس يقولون. وقيل : للعهد ، والمعهود هم الذين كفروا ، و «من» موصولة يراد بها ابن أبي رأس المنافقين وأصحابه ، فإنهم من حيث إنهم صمموا على النفاق دخلوا في عداد الكفار المختوم على قلوبهم ، واختصاصهم بزيادة زادوها على الكفر لا يأبى دخولهم تحت هذا
Shafi 58