وقد يحتج ذامه بوله ﷺ: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا. ومحل هذا الحديث عند العلماء أربعة أوجه: أحدهما أن المراد بهذا الشعر المذكور هنا الشعر الذي هجي به النبي ﷺ وقد وقع في رواية: شعر هجيت به بهذه الزيادة. وروى أن أبا هريرة، لمّا روى الحديث المذكور قالت عائشة ﵂ لم يحفظ، إنّما قال شعرا هجيت به. ولا شك أن هذا النوع من الشعر لو كان شطر بيت لكان كفرا، فكيف إذا أميلا الجوف فيه؟!.
ثانيها أنه ورد لأقوام كانوا في غاية الإقبال على الشعر فجاء على وجه المبالغة زجرا لهم ليقبلوا على القرآن والذكر والعبادة.
ثلثهما أنه في حق من أولع به حتى شغله عن الذكر والقرآن والعبادة، لأن ذلك هو يعني الامتلاء. وأما كان الغالب عليه القرآن والكر. فليس جوفه ممتلئل.
رابعها أنه في الشعر المذموم دمن الممدوح، وسنبينه.
وقوله ﷺ: أنَ من البيان لسحرا، لعلماء في هذا الحديث وجهان: أحدهما أنه ورد مورد الذم فشبهه بعمل السحر لغلبته على القلب وجليه إياها، وتزيينه الباطل وتحسينه القبيح وتقبيحه الحسن. ويكتسب به صاحبه من الإثم ما يكتسب الساحر بعمله كما قال ﷺ: ولعل بعضهم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فأنما أقطع له من النار. ثانيهما أنه ورد مورد المدح بمعنى أنه تمال به القلوب، ويسترضى به الساخط، ويستنزل به الصعب. ويشهد ليس لهذا قوله في نفس الحديث: إن من الشعر لحكمة. وهذا قول أكثر أهل العلم والأدب، لأن الله تعالى مدح البيان، وهو شامل للشعر والنثر. وقال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله حاجته فأحسن في السؤال: هذا والله السحر الحلال! وقضى حاجته. وأما قوله تعالى:) والشعراءُ يتبعهمُ الغلوون (الآية، فالمراد بها المشركون المشتغلون بالاذاية للنبي ﷺ وهجائه. وأما الشعراء
1 / 47