المؤمنون كحسان وكعب وأبن رواحة وغيرهم فليسوا بداخلين. ولذلك استثناهم الله تعالى فقال:) إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ وذكروا اللهَ كثيرا (أي لم يشغلهم الشعر عن الذكر، وانتصروا من بعد ما ظلموا، أي بهجوم الكفار الهاجين للنبي ﷺ ظلما، كما قال الله تعالى:) لا يحب اللهُ الجهر بالسوءِ من القول إلاّ من ظُلم (. الآية المذكورة هي فصل الخطاب فيما مر. نعم، قال أبن عطيه: يدخل في الآية كل مخلط بهجو أو يمدح شهوة ويقذف المحصنات ويقول الزور، كما يدخل في الاستثناء كل من كان بخلافه.
فقد بان بهذا فضل الشعر وأن لا باس به أصلا، غير إنّه ليس على إطلاقه وأن الشعر كله محمود ومرضي، فان هذا خطأ وغلط، بل هو على تفصيل. فما كان متضمنا للثناء على الله تعالى، أو لمدح النبي ﷺ وأصحابه، أو الأنبياء والملائكة وكل من يجب تعظيمه وتوقيره والثناء عليه في الدنيا والترغيب في الآخرة، فهو مندوب إليه مرغوب فيه؛ وما كان متضمنا للتنبيه والوعظ والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة ونحو هذا فكذلك أيضًا؛ وما كان متضمنا للهجو وإيذاء كل من عرضه معصوم فهو حرام. ويتفاوت في القبح والشدة بحسب المؤذي، حتى ينتهي إلى الكفر كما في حق الأنبياء، وما كان خاليا عن هذين الأمرين فهو من المباح في الجملة، إلاّ أنه إن اشتمل على وصف القد والخد والمجون التي تحرك دواعي الشهوة والغواية، فهو قد يجرم وقد يكره وقد يباح بحسب حال القئل والمخاطب. وتحقيق ذلك أن الشعر كلام كالنثر، فكل ما يستقبح في النثر يستقبح في الشعر.
فقد روى عن النبي ﷺ أنه قال: إنما الشعر كلام مؤلف، فما وافق الحق منه فهو حسن، ز ما لم يوافق الحق فلا خير فيه. وقالصلى الله عليه وسلم: إنما الشعر كلام فمن الكلام خبيث وطيب. وقالت عائشة ﵂: الشعر كلام فيه حسن وقبيح، فخذ الحسن ودع القبيح. وقال أبن سيرين: الشعر كلام عقد بالقوافي، فما حسن في الكلام حسن في الشعر، وكذلك ما قبح منه
1 / 48