وأما الموضع الثاني: وهو في حقائقها، وأمثلتها فحقيقة التمكين هو خلق القدرة والإله، ومثال التمكين كاليد في التمكن من الوضوء، والرجل كالتمكين من الصلاة قائما، والثبات له معنيان: أعم، وأخص، فالأعم هو: الإعلام وهو خلق العلوم الضرورية، ونصب الأدلة العقلية والسمعية، وأما الأخص فهو ما يدل على المراد بالخطاب المجمل على سبيل التفصيل، ومثاله قوله تعالى {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فأنا لا نعلم معنى الآية إلا بقول النبي أو فعله أو تقريره، أما قوله فمثل أن تقول: الصلاة كذا وكذا.
وأما فعله فمثل أن يقول: صلوا كما رأيمتوني أصلي.
وأما تقريره فكأن ير رجلا يصلي فيبقى على ماهو به، وقول الشيخ (رحمه الله): البيان للمخاطبين لايتناول البيان إلا البيان بالمعنى الأخص، وما يدخل فيه البيان بالمعنى الأعم، ولا بد من دخولهما جميعا؛ لأنهما واجبان على الله تعالى على سواء فالأول أن يقال البيان للمكلفين.
وأما حقيقة اللطف فهو يستعمل في اللغة والاصطلاح، أما في أصل اللغة: فهو ماقرت من نيل الغرض، وإدراك المقصود، وعليه قول الشاعر:
مازلت أجد حاجاتي بتلطفي ... حتى تركت رقات الملح في اللطيف
[32أ] وقال آخر:
لو سار ألف مدجج في حاجة ... ما نالها إلا الذي يتلطف
وقوله: اللطف بالصبي، وتلطف به لتكون أقرب إلى التزام المكسب، وارتقا أعلى درجات الأدب.
وأما في الاصطلاح فهو: ما يدعو المكلف إلى فعل ماكلف فعله، أو ترك ماكلف تركه، أو إلى أحدهما مالم يبلغ به الحال حد الالجاء.
قلنا ما يدعو خاصة اللطف، وقلنا المكلف احترازا مما يدعوا غير المكلف فإنه ليس بلطف في الاصطلاح، وقد دخل في قولنا ما يدعو جميع أقسام اللطف وهو ما يفعل عنده، أو يكون أقرب؛ لأن كل واحد منهما يدعو، وقلنا إلى فعل ماكلف فعله أو ترك ماكلف تركه دخل فيه اللطف الذي يكون لطفا في الفعل، والترك جميعا.
Shafi 54