وأما نقل المؤلفات الأوربية إلى اللغة العربية فلي في شأنه اقتراح قديم أخذت به وزارة المعارف المصرية في عهد الوزير الأسبق محمد حلمي عيسى باشا وألفت لجنة لتنفيذه، ثم سكتت عنه بعد أن فارقها ذلك الوزير. وخلاصة ما اقترحته على الوزارة أن تفرض على كل طالب من أعضاء البعثات أن يترجم إلى اللغة العربية كتابين من أمهات الكتب في العلم الذي يخصص فيه، ثم لا تعد بعثته قد تمت إلا بعد أن يؤدي هذا الواجب، أي لا يمنح ترقية أو علاوة بعد عودته إلا يوم يتضح أنه نقل إلى أمته شيئا من العلم بترجمة كتابين عظيمين.
وكان من فروع هذا الاقتراح أن تقوم الوزارة بطبع تلك المترجمات ثم توزعها على المدرسين والموظفين والمتأدبين بثمن مقبول، وكان من رأيي أن تخصم الحكومة من كل موظف عشرة قروش في كل شهر، ثم تعطيه في مقابل ذلك نحو عشرة كتب في كل عام، وبذلك تفرض الثقافة العلمية على جمهور الموظفين، ثم تنتقل العدوى العلمية إلى أبنائهم وإخوتهم ومن يتصلون بهم من الشباب والكهول .
ولا أزل أعتقد أن هذا الاقتراح سهل التنفيذ، فهل يمكن بعثه مرة ثانية بفضل نشره على صفحات الحديث؟
أرجو إن راقكم هذا الرأي أن تكتبوا في تأييده مرة أو مرتين، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، والسلام.
الفصل العاشر
الأسمار والأحاديث1 في ليالي رمضان
أيها السادة
إن الشوق إلى السمر في رمضان هو شوق قضت به طبيعة الحياة؛ لأن الناس يكادون يمسكون عن الكلام في أيام الصيام من فرط التعب والإعياء، فإذا جاء المغرب وأفطروا رجعت إليهم الحيوية، وتشوفوا إلى مطول الأحاديث، والإنسان حيوان ناطق كما تعرفون، ناطق بالفكر وناطق باللسان، والكلام عند الإنسان هو مادته الأولى من اللهو واللعب وهو مسلاته وملهاته في أكثر الأحايين.
أضيفوا إلى هذا أن الناس يحتاجون في ليالي رمضان إلى انتظار السحور، وهم لا ينتظرونه ساكتين، وإنما يتعاونون على السهر بأطايب الأسمار والأحاديث.
ومن الحق أن نذكر أن الكلام يستعمل أيضا في تزجية أيام الصوم، والتاريخ يحدثنا أن علماء المسلمين كانوا يقطعون أخريات النهار بالجدل والمناظرة في الشؤون الدينية واللغوية، ومن شواهد ذلك ما حدثنا الصاحب بن عباد من أنه كان يرى العلماء يتجادلون في قصر ابن العميد بعد العصر في رمضان، فإذا اقترب المغرب انقلبوا إلى بيوتهم، وكانت هذه الحال مما ضايق ابن عباد، فنذر إن أقبلت عليه الدنيا ليحجزن العلماء إلى ما بعد الفطور، ثم قضى الحظ أن يكون وزيرا فكان العلماء يحضرون عنده بعد العصر في رمضان للجدل والمناظرة، فإذا أذن المؤذن مدت لهم الموائد فأكلوا وشربوا، ثم قضوا السهرة إن شاءوا في السمر والحديث.
Shafi da ba'a sani ba