ثم نخرج لنعود إلى منازلنا، فيقترح الرفيق الموصلي أن نطوف ببعض الملاهي، فأقول: لا بأس، فهذه ليلة عيد، وما أقل الأعياد في حياتي! وفي ملهى لا أسميه أرى صديقا عذب الروح وفي يده كأس ويدعوني إلى منادمته، فأرفض لأني سكرت من كأس أحزاني، ثم تقبل فتاة ندية الجسم كأنها من دمياط، فتدعوني إلى الرقص، فأرفض أن أرقص، لأني راقصت أشجاني. •••
ويقول الرفيق الموصلي: الساعة صارت عشرة يا دكتور، فأخرج ساعتي من جيبي؛ فإذا هي الثالثة بعد نصف الليل، فأصرخ: نعم، الساعة صارت عشرة! صحيح، الساعة صارت عشرة! مؤكد، مؤكد، الساعة صارت عشرة! ثم نخرج؛ ويجري هذا الحوار في الطريق: - هل أستطيع أن أخبر أهل الموصل أني قد قضيت نحو تسع ساعات في صحبة الدكتور زكي مبارك؟ - حدث أهل الموصل عني بما شئت فهم إخوان أعزاء. - ولكن أدباء الموصل سيسألون عن أسباب النجاح الذي ظفر به الدكتور زكي مبارك في حياته الأدبية. - قل لهم إن زكي مبارك نجح في حياته الأدبية لأنه رجل يؤمن بأن رزقه بيد الله لا بيد الناس. - ثم؟ - ونجح في حياته الأدبية لأنه يعشق الصدق، ويبغض الرياء. - ثم؟ - لأنه يبذل دمه في سبيل الوفاء. - ثم؟ - لأنه لم يقدم أية إساءة إلى أي مخلوق، وكان أصدقاؤه يكتبون له بأيديهم صحيفة الاتهام. - ثم؟ - لأنه أحب كل بلد عاش فيه، فعشق سنتريس والقاهرة وباريس وبغداد. - ثم؟ - قل لأهل الموصل إن زكي مبارك نجح في حياته الأدبية لأن اسمه زكي مبارك.
الفصل السادس والعشرون
ليلى المريضة في العراق
ليست مصرية وإنما هي عراقية
صديقي
لعلك تعرف أن من حقي أن أعتب عليك فللصداقة حقوق، ومثلك من يراعي شروط الوفاء.
من هذا الكاتب الذي اسمه (محمد) والذي وجد من كرمكم ما يسمح له بأن ينشر في الصباح أني أجترئ على الحقيقة، وأن ليلى المريضة في العراق ليست عراقية وإنما هي مصرية؟
إنك يا صديقي تعرف أني لست من كتاب الأقاصيص حتى يتهمني هذا الكاتب بأني أكتب قصة غرامية، وتعرف أني ما فكرت يوما في أن أزاحم محمود تيمور أو توفيق الحكيم، وإنما أنا طبيب أضاعه الأدب فلم يبق أمامه إلا أن يقضي بقية عمره في خدمة الحقائق.
وأسارع فأقرر أن نتائج أبحاثي عن ليلى المريضة في العراق كانت من أصلح ما ينشر في الصباح، ولكني خشيت أن تظنوها قصة؛ فقدمتها إلى الرسالة؛ لأن صديقنا الزيات عاش مدة في بغداد وعرف أشياء من أخبار ليلى المريضة في العراق.
Shafi da ba'a sani ba