فلما كان من الغد أمر أبو بكر فجمع الناس من المهاجرين والأنصار وقام أبو بكر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه وقال معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعا لم يطأ رسول الله ساحتكم بخف ولا حافر , ولا جشمتموه ما جشمه غيركم من العرب؛ ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل , فجمع الله على الخير شملكم , ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتوه إذ دعاكم على بعد داركم وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم؛ فأي فضل أبر من فضلكم؛ وأي فعل أشرف من فعلكم؟ كفاكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا إلى يوم الميعاد , ثم قام فيكم عمرو وما أقام مكرما , ورحل عنكم إذ رحل مسلما , وقد من الله عليكم بإسلام عبد وجيفر ابنى الجلندى وأعزكم الله به وأعزه بكم , وكنتم على خير حال حتى أتتكم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأظهرتم ما يضاعف فضلكم , وقمتم مقاما حمدناكم فيه , ومحضتم بالنصيحة وشاركتم بالنفس والمال , فيثبت الله ألسنتكم ويهدي قلوبكم , وللناس جولة فكونوا عند حسن ظني فيكم , ولست أخاف عليكم أن تغلبوا على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم جزاكم الله خيرا ثم سكت.
وقيل أن عبدا لما قدم على أبي بكر استنهضه لمقابلة آل جفنة([1]) فأجابه إلى ذلك فسرى سرية وأمره عليها , فخرج عبد على السرية حتى وافى ديار آل جفنة ولها حديث يطول ذكره , وقد شهر مقام عبد وعرف مكانه وكان في السرية حسان بن ثابت الأنصاري , فلما قدموا من ديار آل جفنة قام حسان وقال قد شهر مقام عبد في الجاهلية والإسلام فلم أر رجلا أحزم ولا أحسن رأيا وتدبيرا من عبد , هو والله ممن وهب نفسه لله في يوم غارت صباحه وأظلم صباحه , فسر ذلك أبا بكر وقال هو يا أبا الوليد كما ذكرت , والقول يقصر عن وصفه والوصف يقصر عن فضله , فبلغ ذلك عبد فبعث إليه بمال عظيم , وأرسل إليه إن مالي يعجز عن مكافأتك , فاعذر فيما قصر وأقبل ما تيسر.
Shafi 51