Zamanin Tashi: Tarihin Al'ummar Larabawa (Sashi na Biyu)
عصر الانطلاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثاني)
Nau'ikan
الفصل الثالث
في القرآن المكي
لقد كان للهجرة النبوية إلى المدينة تأثير في سيرة الإسلام وفي أسلوب القرآن ومضامينه، وقد انطبع النمط القرآني في كل من المدينتين بأسلوب خاص تبعا للظروف الزمانية والمكانية؛ ففي مكة كان الرسول يدعو قريشا إلى نبذ ما هي عليه من عبادات وتقاليد يأباها العقل السليم والإيمان الصحيح، ويناقشها في مزاعمها، وينكر عليها قولها بتعدد الآلهة، وإفسادها جو الكعبة والحرم الأقدس بهذه التماثيل والنصب، ويخوفها عذاب يوم شديد، ويرهبها من نتائج أعمالها وأقوالها، وينذرها بعاقبة وخيمة وبيوم حساب لم تحسب له حسابا، ويطالبها بإنصاف المرأة والرقيق، والإحسان إلى العبد والصديق، والمساواة بين الغني والفقير في أمور الدنيا والدين.
وكان أسلوبه في هذا الحين أسلوبا خطابيا ذا فقرات قصيرة، مقفاة، ذات فواصل، ومقاطع قوية. أما القرآن المدني - بعدئذ - فهو ذو أسلوب تفصيلي طويل الآيات، قليل الفقرات، القصيرة، خال من الأسلوب الخطابي، طويل النفس في الشرح والتحليل والتعليل. ولا غرو؛ فإن الوحي قد أخذ في المدينة يفصل ما أجمل في مكة من أمور العبادات والمعاملات ومبادئ الحكمة والأخلاق بما أحله الله وما حرمه. وقد كان القرآن في حجاجه مع العرب والكتابيين من يهود ونصارى مختلف الأسلوب والفكرة، يخاطب كلا حسب منطقه وعقله وعلمه، ويناقشه بما يدرك ويتسع له فهمه.
ويمتاز القرآن المكي - كما قلت - بأنه أسلوب خطابي، مسجوع، شديد في نطقه، وأحكامه، وتهديده، ووعيده، وهو أسلوب حث واستثارة ووعد وترهيب ومناقشة ومحادثة، أكثر منه أسلوب مداراة وملاطفة وتشريع وتطويل وتفصيل، كما هي الحال في القرآن المدني. وكان القرآن المكي مليئا بحكاية أقوال المشركين ومناقشتهم في آرائهم واعتقاداتهم في الجن والملائكة والآلهة المتعددة وأحوال الأنبياء ومجادلات أممهم له. أما القرآن المدني فقد نحا فيه منحى آخر في مناقشة الناس من موالين وكفار، ومتقين وفجار، ومناقشتهم ومجادلتهم. ومن يدقق في السور الأولى التي نزلت في مكة يجدها تنظم أمورا تتعلق بالدعوة إلى الدين والوعد والوعيد اللطيف، ولكن هذا الوعيد ما لبث أن اشتد حين قويت خصومات النبي، واشتدت معاكسة المشركين - ولا سيما زعماء قريش وأغنياؤها - لدعوته كما في سورة العلق (6-19):
كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى * إن إلى ربك الرجعى * أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى * أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى * كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه * سندع الزبانية * كلا لا تطعه واسجد واقترب .
وفي سورة القلم (7-16):
إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين * فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون * ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * سنسمه على الخرطوم .
وفي سورة المدثر (11-25):
ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سأرهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر ... فقد احتوت هذه الآيات وأمثالها بأسلوبها الخطابي وفقرها القصيرة، صورا للمكذبين الذين لم تعجبهم حركة النبي فأخذوا يناوئونه، فلم يقف أمامهم مكتوف اليدين، وإنما خاطبهم في هذا الأسلوب القوي العنيف، كما أنه في الوقت نفسه خاطب المؤمنين بألفاظ كلها رحمة وحنان؛ كقوله تعالى:
Shafi da ba'a sani ba