وأما القسم الثانى فهو أن يبدل التشبيه، مثل أن تقول: الشمس كأنها فلانة، أو الشمس هو فلانة، لا: فلانة كالشمس، ولا: هى الشمس. وبالعكس قول ذى الرمة:
قال: وكما أن الناس بالطبع قد يخيلون ويحاكون بعضهم بعضا بالأفعال، مثل محاكاة بعضهم بعضا بالألوان والأشكال والأصوات — وذلك إما بصناعة وملكة توجد للمحاكين، وإما من قبل عادة تقدمت لهم فى ذلك — كذلك توجد لهم المحاكاة بالأقاويل بالطبع والتخييل. والمحاكاة فى الأقاويل الشعرية تكون من قبل ثلاثة أشياء: من قبل النغم المتفقة، ومن قبل الوزن، ومن قبل التشبيه نفسه. وهذه قد يوجد كل واحد منها مفردا عن صاحبه مثل وجود النغم فى المزامير، والوزن فى الرقص، والمحاكاة فى اللفظ، أعنى الأقاويل المخيلة الغير موزونة. وقد تجتمع هذه الثلاثة بأسرها، مثلما يوجد عندنا فى النوع الذى يسمى الموشحات والأزجال، وهى الأشعار التى استنبطها فى هذا اللسان أهل هذه الجزيرة. إذ كانت الأشعار الطبيعية هى ما جمعت الأمرين جميعا، والأمور الطبيعية إنما توجد للأمم الطبيعيين، فان أشعار العرب ليس فيها لحن، وإنما هى: إما الوزن فقط، وإما الوزن والمحاكاة معا فيها.
وإذا كان هذا هكذا، فالصناعة المخيلة، أو التى تفعل فعل التخييل، ثلاثة: صناعة اللحن، وصناعة الوزن، وصناعة عمل الأقاويل المحاكية — وهذه الصناعة المنطقية التى ننظر فيها فى هذا الكتاب.
Shafi 203