حتى قد صنف بعض المشهورين بالكلام كتابا في السحر والطلاسم وعمل الأصنام ودعوة الكواكب، وجعل ذلك من السر المكتوم، وذكر فيه ما يذكره أئمة السحرة؛ مثل طمطم الهندي، وتيكلوشا البابلي، وأبي معشر البلخي، وثابت بن قرة وأمثالهم، من عجائب السحر التي يزعمون أنها تصلح لعمل النواميس. وهؤلاء لهم من الجوع، والخلوة في السهر، واجتناب الدسم والنساء وغير ذلك، مما يجتهدون فيه أعظم من اجتهاد كثير من أهل الملل من المسلمين وأهل الكتاب، ولهم من خطاب الجن لهم وإخبارهم بالأمور بالصدق تارة وبالكذب تارة، وبمعاونتهم على بعض ما يريدونه، ما لا ينكره إلا من لا يعرفه. وهذا مبسوط في غير هذا الموضع، إذ هنا ذكر الحكم الشرعي فيما سئل عنه على سبيل الاختصار.
فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، والله لا ينهى عن منفعة راجحة، ولا يأذن في مفسدة راجحة؛ ولهذا من رخص من العلماء في شيء من الأشياء فإنما رخص فيه لاعتقاده أنه ينفع ولا يضر مضرة مقاومة للمنفعة، لا في الدين ولا في الدنيا.
وكثير ممن تكلم في هذا الباب لا يعرف حقائق ما في ذلك من الضرر، بل ينظر إلى نوع من حصول بعض الأغراض وزوال بعض الأمراض، وصاحب الغرض والحاجة قد لا يبالي ما حصل في ذلك من فساد الدين والدنيا، فإن صاحب الحاجة أعمى لا يعرف إلا قضاءها.
والله سبحانه لم يحوج عباده إلى ما نهاهم عنه، بل يجعل لهم في الطرق المباحة الشرعية ما يغنيهم عن الأمور المكروهة البدعية، فضلا عن المحرمة الكفرية.
فالمنحرفون في هذا الباب قسمان:
قسم يظنون وجود هذه الأمور بالكلية.
وقوم يظنون أنها جائزة في الدين.
Shafi 23