وكان رحمه الله حسن المفاكهة، لذيذ المحاضرة، لطيف المسامرة، كثير الملازمة لبيته، لا يخرج إلا لضرورة، معتقدا محببا، مربيا، ناصحا، نظم رسالة في التجويد سماها «المنحة السنية» ثم شرحها شرحا لطيفا سماه «اللطائف البهية» جمع فيه معظم أحكام التجويد. وله منظومات كثيرة في بعض ضوابط القراءات، وأنجب تلامذة في دمشق فضلاء، بعد أن كان فن القراءات انقطع سنين منها. ووقع بينه وبين علماء عصره نزاع كبير في أن التجويد واجب شرعا أو صناعة، فكان الأستاذ المترجم يعتمد الأول ويحاورهم في أدلة ذلك، وكانوا يعتمدون الثاني. ثم ورد إلى دمشق سنة (1300) العلامة الشيخ محمد بن صلاح الباقاني الحنفي النابلسي، فسأله المترجم عن حكم التجويد فأجاب بأنه لا يعلم خلافا في وجوبه، فحينئذ التمس منه شيخنا المترجم أن يجمع ما نقل في ذلك فأجاب، وصنف رسالة سماها القول السديد في وجوب التجويد وقد بيضتها لشيخنا المترجم من خط مصنفها. قلت: وقد رأيت في «فتاوى العلامة ابن حجر الحديثية» هذه المسألة بعينها، فإنه سئل عن قول الإمام ابن الجزري في «مقدمته» و«طيبته» و«نشره»: يتحتم أن يراعي القرآن العظيم قواعد لغة العرب، إلى أن قال: فإن حسن الأداء واجب على الصحيح بل الصواب، فأجاب العلامة ابن حجر بقوله: قد اختلف المتكلمون على كلام هذا الحبر، فحمل بعضهم الوجوب في كلامه على الوجوب الصناعي لا الشرعي، وبعضهم أجرى كلامه على ظاهره ولم يؤوله، والحق في ذلك تفصيل. ثم أطال العلامة ابن حجر في ذلك وأطاب وأتى بما يبهج الألباب، وأظن لو عثر على هذه الفتوى المتنازعون مع المترجم لكانت فيصلا لهم وفرقانا، ولكن وقع للجميع تعصب شديد كما شاهدته حين المذاكرة في هذه المسألة، ولم يزل المترجم على استقامته الجليلة إلى أن توفي بعد عصر يوم الأحد في (26) جمادى الثانية سنة (1307) وأخر تجهيزه ليوم الاثنين، ودفن بعد أن صلي عليه في الجامع الأموي بمقبرة باب الفراديس. ومما امتن الله به علي قراءتي على الأستاذ المترجم، فإني لازمته مدة تنوف عن ثمان سنين، فقرأت عليه ختمة وأكثر من نصف أخرى، على طريقة حفص، وسمعت منه «الميدانية» ثم «شرح الجزرية» لشيخ الإسلام 1 مرتين، ثم شرحها للشيخ خالد الأزهري، ثم معظم شرح منظومته المتقدم ذكره. وأجاز لي إجازة عامة بسائر مروياته، ثم إني أحببت أن أشرح «الميدانية» فشرعت فيه وأتممته سنة (1304) وقابلته عليه بتمامه فاستسحنه وقرظ عليه، ثم اطلع عليه معظم فضلاء دمشق فكتبوا عليه، وهو أول مصنف لي ظهر للوجود.
وعملت أيضا جدولا بديعا في مخارج الحروف وصفاتها أطلعت أستاذنا المترجم عليه فأعجبه ودعا لي جزاه الله خيرا.
***
Shafi 36