مع كونه إنكار للبرهان القاطع كما قال حجة الإسلام، جوابه أن يقال: إن الله تعالى لما أراد خلق العالم على ما اقتضته حكمته من هذا الترتيب البديع المشتمل على سير هذه الكواكب، وعلم أن بعض عباده يعبد بعض هذه الكواكب لسابق الإرادة، رتب سير هذين الكوكبين على وجه يقتضي حصول الخسوف والكسوف مع إمكان ترتيبه على وجه لا يقتضي ذلك إعلاما لعبادهما أنهما لو كانا إلهين لما اعتراهما هذا النقص، فإذا رأينا الخسوف والكسوف اللذين أريد بهما التنبيه والإعلام لعبادهما فلم يتنبهوا، خفنا وقوع العذاب بهم فيعمنا ففزعنا إلى العبادة ليصرفه الله عنا، فقد ظهر عدم المنافاة بين ما جاء عن الصادق وما قرره أهل الهيئة من غير حاجة إلى إنكار ما يكاد أن يلحق بالبديهي فيكون الإنكار سببا لطعن الطاعن كما قال حجة الإسلام. قال شيخنا: وهذا شيء لم يسبقني أحد إليه فيما أعلم، فلله الحمد والمنة. وقول المناوي 2 في الجواب عن ذلك: وكونه تخويفا لا ينافي ما قرره علماء الهيئة في الكسوف لأن لله أفعالا على حسب العادة وأفعالا خارجة عنها وقدرته حاكمة على كل بسبب اه. قال شيخنا: كلام لم يفد شيئا من المطلوب وهو بعض كلام ابن دقيق العيد اه ولا يخفاك أن ما ذكره شيخنا إنما يظهر بجملة عبادهما المذكورين، وأما علماؤهم 1 فيعلمون أن الخسف ما عراهما ولحق ذاتهما فلا يتوجه ما ذكره بالنسبة إليهم فالمرجع لكلام الغزالي فقط، والله أعلم.
ومن غرره ما كتبه على العزيزي أيضا عند حديث «آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهداه إن علموا به، والواشمة والموشومة للحسن، ولاوي الصدقة والمرتد أعرابيا بعد الهجرة ملعونون على لسان محمد يوم القيامة» 2.
قال العزيزي: ملعونون، أي مطرودون، عن مواطن الأبرار لما اجترحوه من ارتكاب هذه الأفعال القبيحة التي هي من كبار الآصار. اه.
قال شيخنا المترجم رحمه الله تعالى: أنت خبير بأن هذا الجواب الذي أطبقوا عليه لا يليق بما أراده صلى الله عليه وسلم من بيان زيادة قبح هذه الذنوب وأشباهها مما رتب عليه اللعن ومبالغته صلى الله عليه وسلم ببيان أن اللعن من عند الله على لسانه وحينئذ فاللائق في نحو هذا الحديث أن يقال: المراد مستحقون للعن الحقيقي وهو الطرد من رحمة الله بسلب الإيمان منهم، ثم قد يعاملهم بما يستحقون وقد لا يعاملهم به فضلا منه وكرما.
Shafi 23